لهم صالح بن مخراق: يا قوم، إنكم أقررتم عين عدوكم، وأطمعتموه فيكم بما يظهر من خلافكم (1)، فعودوا إلى سلامة القلوب، واجتماع الكلمة.
وخرج عمرو القنا - وهو من بنى سعد بن زيد مناة بن تميم - فنادى: يا أيها المحلون (2)، هل لكم في الطراد فقد طال عهدي به! ثم قال:
ألم تر أنا مذ ثلاثين ليلة * جديب وأعداء الكتاب على خفض (3) فتهايج القوم، وأسرع بعضهم إلى بعض، وكانت الوقعة، وأبلى يومئذ المغيرة بن المهلب، وصار في وسط الأزارقة، فجعلت الرماح تحطه وترفعه، واعتورت رأسه السيوف، وعليه ساعد حديد، فوضع يده على رأسه، فلم يعمل السيف فيه شيئا، واستنقذه فرسان من الأزد بعد أن صرع، وكان الذي صرعه عبيدة بن هلال بن يشكر بن بكر بن وائل، وكان يقول يومئذ:
أنا ابن خير قومه هلال * شيخ على دين أبى بلال * وذاك ديني آخر الليالي * فقال رجل للمغيرة: كنا نعجب كيف تصرع، والآن نعجب كيف تنجو! وقال المهلب لبنيه: إن سرحكم (4) لغار، ولست آمنهم عليه، أفوكلتم به أحدا؟ قالوا: لا، فلم يستتم الكلام حتى أتاه آت، فقال: إن صالح بن مخراق قد أغار على السرح، فشق على المهلب، وقال: كل أمر لا إليه بنفسي فهو ضائع، وتذمر عليهم، فقال له بشر بن المغيرة: أرح نفسك، فإن كنت إنما تريد مثلك فوالله ما يعدل خيرنا شسع (5) نعلك،