قال: ووجه الحجاج الجراح بن عبد الله إلى المهلب يستبطئه في مناجزة القوم، وكتب إليه:
أما بعد، فإنك جبيت الخراج بالعلل (1)، وتحصنت بالخنادق، وطاولت القوم وأنت أعز ناصرا، وأكثر عددا، وما أظن بك مع هذا معصية ولا جبنا، ولكنك اتخذتهم أكلا (2)، وكان بقاؤهم أيسر عليك من قتالهم، فناجزهم وإلا أنكرتني، والسلام.
فقال المهلب للجراح: يا أبا عقبة، والله ما تركت حيلة إلا احتلتها، ولا مكيدة إلا أعملتها، وما العجب من إبطاء النصرة (3) وتراخى الظفر، ولكن العجب أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره.
ثم ناهضهم ثلاثة أيام، يغاديهم القتال، فلا يزالون كذلك إلى العصر، وينصرف أصحابه وبهم قرح، وبالخوارج قرح وقتل. فقال له الجراح: قد أعذرت.
فكتب المهلب إلى الحجاج:
أتاني كتابك تستبطئني في لقاء القوم، على أنك لا تظن بي معصية ولا جبنا، وقد عاتبتني معاتبة الجبان (4)، وأوعدتني وعيد (5) العاصي، فسل الجراح. والسلام.
فقال الحجاج للجراح: كيف رأيت أخاك؟ قال: والله أيها الأمير، ما رأيت مثله قط، ولا ظننت أن أحدا يبقى على مثل ما هو عليه، ولقد شهدت أصحابه أياما ثلاثة يغدون إلى الحرب، ثم ينصرفون عنها، وهم يتطاعنون بالرماح، ويتجالدون بالسيوف،