فلما عظم الخطب في ذلك (1) الرمح بعث المهلب إلى المغيرة: خل لهم عن الرمح، عليهم لعنة الله! فخلوا لهم عنه، ومضت الخوارج، فنزلت على أربعة فراسخ من جيرفت، فدخلها المهلب، وأمر بجمع ما كان لهم من متاع، وما خلفوه من دقيق، وجثم عليه وهو والثقفي والأمينان، ثم اتبعهم فوجدهم قد نزلوا على ماء وعين لا يشرب منها أحد إلا قوى (2)، يأتي الرجل بالدلو قد شدها في طرف رمحه فيستقي بها، وهناك قرية فيها أهلها، فغاداهم القتال، وضم الثقفي إلى ابنه يزيد، وأحد الأمينين إلى المغيرة، فاقتتل القوم إلى نصف النهار.
وقال المهلب لأبي علقمة العبدي - وكان شجاعا، وكان عاتيا هازلا -: أمددنا يا أبا علقمة بخيل اليحمد، وقل لهم: فليعيرونا جماجمهم ساعة، فقال: أيها الأمير، إن جماجمهم ليست بفخار فتعار، ولا أعناقهم كرادي (3) فتنبت.
وقال: لحبيب بن أوس: كر على القوم، فلم يفعل، وقال:
يقول لي الأمير بغير علم * تقدم حين جد به المراس فمالي إن أطعتك من حياة * ومالي غير هذا الرأس رأس (4) وقال لمعن بن المغيرة بن أبي صفرة: احمل، فقال: لا، إلا أن تزوجني ابنتك أم مالك، فقال: قد زوجتك، فحمل على الخوارج فكشفهم، وطعن فيهم، وقال:
ليت من يشترى الحياة بمال * ملكة كان عندنا فيرانا (5)