فوقع الكتاب إلى قطري، فدعا بأبزى، فقال: ما هذا الكتاب؟ قال:
لا أدرى، قال: فما هذه الدراهم؟ قال: لا أعلم، فأمر به فقتل. فجاءه عبد ربه الصغير مولى بنى قيس بن ثعلبة، فقال له: أقتلت رجلا على غير ثقة (١) ولا تبين! قال قطري:
فما حال هذه الألف؟ قال: يجوز أن يكون أمرها كذبا، ويجوز أن يكون حقا، فقال قطري: إن قتل رجل في صلاح الناس غير منكر، وللامام أن يحكم بما رآه صلاحا، وليس للرعية أن تعترض عليه. فتنكر له عبد ربه في جماعة معه، ولم يفارقوه.
وبلغ ذلك المهلب فدس إليهم رجلا نصرانيا، جعل له جعلا يرغب في مثله، وقال له: إذا رأيت قطريا فاسجد له، فإذا نهاك فقل: إنما سجدت لك، ففعل ذلك النصراني، فقال قطري: إنما السجود لله تعالى، فقال ما سجدت إلا لك، فقال رجل من الخوارج: إنه قد عبدك من دون الله، وتلا: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾ (2)، فقال قطري: إن النصارى قد عبدوا عيسى بن مريم، فما ضر عيسى ذلك شيئا. فقام رجل من الخوارج إلى النصراني فقتله، فأنكر قطري ذلك عليه، وأنكر قوم من الخوارج إنكاره.
وبلغ المهلب ذلك، فوجه إليهم رجلا يسألهم، فأتاهم الرجل، فقال: أرأيتم رجلين خرجا مهاجرين إليكم، فمات أحدهما في الطريق، وبلغ الاخر إليكم فامتحنتموه فلم يجز المحنة، ما تقولون فيهما؟ فقال بعضهم: أما الميت فمؤمن من أهل الجنة، وأما الذي لم يجز المحنة فكافر حتى يجيز المحنة.
وقال قوم آخرون: بل هما كافران حتى يجيز المحنة، فكثر الاختلاف.
وخرج قطري إلى حدود إصطخر، فأقام شهرا، والقوم في اختلافهم. ثم أقبل فقال