انصرفوا، ثم بعث عبيدة، فأخبره، وقال له: أنا لا أقار على الفاحشة، فقال: بهتوني (١) يا أمير المؤمنين فما ترى؟ قال: إني جامع بينك وبينهم، فلا تخضع خضوع المذنب، ولا تتطاول تطاول البرئ، فجمع بينهم، فتكلموا، فقام عبيدة، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم)... حتى تلا الآيات (٢)، فبكوا وقاموا إليه فاعتنقوه، وقالوا: استغفر لنا. ففعل، فقال عبد ربه الصغير مولى بنى قيس بن ثعلبة: والله لقد خدعكم، فتابع عبد ربه منهم ناس كثير، ولم يظهروا، ولم يجدوا على عبيدة في إقامة الحد ثبتا (٣).
* * * وكان قطري قد استعمل رجلا من الدهاقين، فظهرت له أموال كثيرة، فأتوا قطريا، فقالوا: إن عمر بن الخطاب لم يكن يقار عماله على مثل هذا، فقال قطري: إني استعملته، وله ضياع وتجارات، فأوغر ذلك صدورهم، وبلغ المهلب ذلك، فقال: اختلافهم أشد عليهم منى، ثم قالوا لقطري: ألا تخرج بنا إلى عدونا؟ فقال: لا، ثم خرج فقالوا: قد كذب وارتد، فاتبعوه يوما، فأحس بالشر، ودخل دارا مع جماعة من أصحابه، فاجتمعوا عليه وصاحوا: اخرج إلينا يا دابة، فخرج إليهم فقال: أرجعتم بعدي كفارا! قالوا: أولست دابة! قال الله تعالى: ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾ (4)، ولكنك قد كفرت بقولك. (إنا قد رجعنا كفارا)، فتب إلى الله. فشاور عبيدة في ذلك، فقال له: إن تبت لم يقبلوا منك، فقل: إني استفهمت فقلت: (أرجعتم بعدي كفارا؟) فقال لهم ذلك، فقبلوا منه، فرجع إلى منزله.