ومن أباة الضيم يزيد بن المهلب كان يزيد بن عبد الملك يشنؤه قبل خلافته، لأسباب ليس هذا موضع ذكرها، فلما أفضت إليه الخلافة، خلعه يزيد بن المهلب، ونزع يده من طاعته، وعلم أنه إن ظفر به قتله وناله من الهوان ما القتل دونه، فدخل البصرة وملكها عنوة، وحبس عدى بن أرطاة عامل يزيد بن عبد الملك عليها، فسرح إليه يزيد بن عبد الملك جيشا كثيفا، ويشتمل على ثمانين ألفا من أهل الشام والجزيرة، وبعث مع الجيش أخاه مسلمة بن عبد الملك، وكان أعرف الناس بقيادة الجيوش وتدبيرها، وأيمن الناس نقيبة في الحرب، وضم إليه ابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك، فسار يزيد بن المهلب من البصرة، فقدم واسط، فأقام بها أياما، ثم سار عنها فنزل العقر (1)، واشتملت جريدة جيشه على مائة وعشرين ألفا، وقدم مسلمة بجيوش الشام، فلما تراءى العسكران، وشبت الحرب، أمر مسلمة قائدا من قواده أن يحرق الجسور التي كان عقدها يزيد بن المهلب فأحرقها، فلما رأى أهل العراق الدخان قد علا انهزموا، فقيل ليزيد بن المهلب: قد انهزم الناس، قال: ومم انهزموا؟ هل كان قتال ينهزم الناس من مثله؟
فقيل له: إن مسلمة أحرق الجسور فلم يثبتوا، فقال: قبحهم الله! بق دخن عليه فطار!
ثم وقف ومعه أصحابه، فقال: اضربوا وجوه المنهزمين، ففعلوا ذلك حتى كثروا عليه، واستقبله منهم أمثال الجبال، فقال: دعوهم قبحهم الله! غنم عدا في نواحيها الذئب. وكان يزيد لا يحدث نفسه بالفرار، وقد كان أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي بواسط، فقال له:
فعش ملكا أو مت كريما فإن تمت * وسيفك مشهور بكفك تعذر فقال: ما شعرت، فقال: