إن بنى مروان قد باد ملكهم فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر.
فقال: أما هذا فعسى. فلما رأى يزيد انهزام أصحابه، نزل عن فرسه، وكسر جفن سيفه واستقتل، فأتاه آت فقال: إن أخاك حبيبا قد قتل، فزاده ذلك بصيرة في توطينه نفسه على القتل، وقال: لا خير في العيش بعد حبيب! والله لقد كنت أبغض الحياة بعد الهزيمة، وقد ازددت لها بغضا، امضوا قدما. فعلم أصحابه أنه مستميت، فتسلل عنه من يكره القتال، وبقى معه جماعة خشية، فهو يتقدم كلما مر بخيل كشفها، وهو يقصد مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره، فلما دنا منه، أدنى مسلمة فرسه ليركب، وحالت خيول أهل الشام بينهما، وعطفت على يزيد بن المهلب، فجالدهم بالسيف مصلتا (1)، حتى قتل وحمل رأسه إلى مسلمة، وقتل معه أخوه محمد بن المهلب، وكان أخوهما المفضل بن المهلب، يقاتل أهل الشام في جهة أخرى، ولا يعلم بقتل أخويه يزيد ومحمد، فأتاه أخوه عبد الملك بن المهلب، وقال له: ما تصنع وقد قتل يزيد ومحمد، وقبلهما قتل حبيب، وقد انهزم الناس!
وقد روى أنه لم يأته بالخبر على وجهه، وخاف أن يخبره بذلك فيستقتل ويقتل، فقال له: إن الأمير قد انحدر إلى واسط، فاقتص أثره، فانحدر المفضل حينئذ، فلما علم بقتل إخوته، حلف ألا يكلم أخاه عبد الملك أبدا: وكانت عين المفضل قد أصيبت من قبل في حرب الخوارج، فقال: فضحني عبد الملك فضحه الله! ما عذري إذا رآني الناس فقالوا: شيخ أعور مهزوم، ألا صدقني فقتلت! ثم قال:
ولا خير في طعن الصناديد بالقنا * ولا في لقاء الناس بعد يزيد فلما اجتمع من بقي من آل المهلب بالبصرة بعد الكسرة، أخرجوا عدى بن أرطاة أمير البصرة من الحبس، فقتلوه وحملوا عيالهم في السفن البحرية، ولججوا في البحر، فبعث إليهم مسلمة بن عبد الملك بعثا عليه قائد من قواده، فأدركهم في قندابيل (2)، فحاربهم