وقال لنا زياد: علقوا على خيولكم، فعلقنا عليها مخاليها، ووقف زياد في خمسة فوارس، أحدهم عبد الله بن وأل بيننا وبين القوم، وانطلق القوم فتنحوا، فنزلوا وأقبل إلينا زياد، فلما رأى تفرقنا وتحلقنا، قال: سبحان الله! أنتم أصحاب حرب! والله لو أن هؤلاء جاءوكم الساعة على هذه الحالة ما أرادوا من غرتكم أفضل من أعمالكم التي أنتم عليها، عجلوا، قوموا إلى خيولكم. فأسرعنا فمنا من يتوضأ، ومنا من يشرب، ومنا من يسقى فرسه، حتى إذا فرغنا من ذلك أتينا زيادا، وإن في يده لعرقا (1) ينهسه، فنهس منه نهستين أو ثلاثة، ثم أتى بإداوة فيها ماء، فشرب ثم ألقى العرق من يده، وقال: يا هؤلاء، إنا قد لقينا العدو، وإن القوم لفي عدتكم، ولقد حزرتهم فما أظن أحد الفريقين يزيد على الاخر خمسة نفر، فإني أرى أمركم وأمرهم سيصير إلى القتال، فإن كان ذلك فلا تكونوا أعجز الفريقين.
ثم قال: ليأخذ كل رجل منكم بعنان فرسه، فإذا دنوت منهم وكلمت صاحبهم، فإن تابعني على ما أريد، وإلا فإذا دعوتكم فاستووا على متون خيلكم، ثم أقبلوا معا غير متفرقين. ثم استقدم أمامنا وأنا معه، فسمعت رجلا من القوم يقول: جاءكم القوم وهم كالون معيون، وأنتم جامون (2) مريحون (3)، فتركتموهم حتى نزلوا فأكلوا وشربوا، وأراحوا دوابهم، هذا والله سوء الرأي.
قال: ودعا زياد صاحبهم الخريت، فقال له: اعتزل ننظر في أمرنا، فأقبل إليه في خمسة نفر، فقلت لزياد: أدعو لك ثلاثة نفر من أصحابنا، حتى نلقاهم في عددهم؟ فقال:
ادع من أحببت. فدعوت له ثلاثة، فكنا خمسة وهم خمسة.
فقال له زياد: ما الذي نقمت على أمير المؤمنين وعلينا حتى فارقتنا؟ فقال: لم أرض