شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٣ - الصفحة ١٤٥
أما بعد، فإن من أعظم الخيانة خيانة (1) الأمة، وأعظم الغش على أهل المصر غش الامام، وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم، فابعث بها إلى حين يأتيك رسولي، وإلا فأقبل إلى حين تنظر في كتابي، فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك، إلا أن تبعث بالمال، والسلام.
وكان الرسول أبو جرة الحنفي، فقال له أبو جرة: إن تبعث بهذا المال وإلا فاشخص معي إلى أمير المؤمنين. فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة، وكان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ثم أقبل من البصرة حتى أتى عليا عليه السلام بالكوفة، فأقره أياما لم يذكر له شيئا، ثم سأله المال، فأدى إليه مائتي ألف درهم، وعجز عن الباقي.
قال: فروى ابن أبي سيف، عن أبي الصلت، عن ذهل بن الحارث، قال: دعاني مصقلة إلى رحله، فقدم عشاء فطعمنا منه، ثم قال: و الله إن أمير المؤمنين عليه السلام يسألني هذا المال، ووالله ما أقدر عليه، فقلت له: لو شئت لم يمض عليك جمعة حتى تجمع هذا المال، فقال: ما كنت لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد.
ثم قال: والله لو أن ابن هند مطالبي بها، أو ابن عفان، لتركها لي، ألم تر إلى عثمان كيف أعطى الأشعث مائة ألف درهم من خراج أذربيجان في كل سنة! فقلت: إن هذا لا يرى ذلك الرأي، وما هو بتارك لك شيئا. فسكت ساعة، وسكت عنه، فما مكث ليلة واحدة (2) بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية.
فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: ما له ترحه الله! فعل فعل السيد وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر، أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئا أخذناه،

(1) كلمة (خيانة) ساقطة من ا، ب، ثابتة في ج والطبري.
(2) الطبري: (فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة).
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 بقية رد المرتضى على ما أرده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان 4
2 ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها 11
3 بيعة جرير بن عبد الله البجلي لعلي 70
4 بيعة الأشعث لعلي 73
5 دعوة علي معاوية إلى البيعة والطاعة ورد معاوية عليه 74
6 أخبار متفرقة 91
7 مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لمعاوية 115
8 نسب جرير وبعض أخباره 117
9 44 - ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية 119
10 نسب بنى ناجية 120
11 نسب علي بن الجهم وطائفة من أخباره وشعره 122
12 نسب مصقلة بن هبيرة 127
13 خبر بني ناجية مع علي 127
14 قصة الخريت بن راشد الناجي وخروجه على علي 128
15 45 - من خطبة له عليه السلام في الزهد وتعظيم الله وتصغير أمر الدنيا 152
16 فصل بلاغي في الموازنة والسجع 153
17 نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة وذم الطمع 154
18 46 - من كلام له عليه السلام عن عزمه على المسير إلى الشام 165
19 أدعية على عند خروجه من الكوفة لحرب معاوية 166
20 كلام علي حين نزل بكربلاء 169
21 كلامه لأصحابه وكتبه إلى عماله 171
22 كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية وجوابه عليه 188
23 47 - من كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة \ 197
24 فصل في ذكر فضل الكوفة 198
25 48 - من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام 200
26 أخبار علي في جيشه وهو في طريقه إلى صفين 202
27 49 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه وتمجيده 216
28 فصول في العلم الإلهي: 217
29 الفصل الأول وهو الكلام على كونه تعالى عالما بالأمور الخفية 218
30 الفصل الثاني في تفسير قوله عليه السلام: " ودلت عليه أعلام الظهور " 221
31 الفصل الثالث في أن هويته تعالى غير هوية البشر 222
32 الفصل الرابع في نفي التشبيه عنه تعالى 223
33 الفصل الخامس في بيان أن الجاحد له مكابر بلسانه ومثبت له بقلبه 238
34 50 - من خطبة له عليه السلام يصف وقوع الفتن 240
35 51 - من كلام له عليه السلام لما غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السلام على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء 244
36 الأشعار الواردة في الإباء والأنف من احتمال الضيم 245
37 أباة الضيم وأخباره 249
38 غلبة معاوية على الماء بصفين ثم غلبة علي عليه بعد ذلك 312
39 52 - من خطبة له في وصف الدنيا ما قيل من الأشعار في ذم الدنيا 335