أما بعد، فإن من أعظم الخيانة خيانة (1) الأمة، وأعظم الغش على أهل المصر غش الامام، وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم، فابعث بها إلى حين يأتيك رسولي، وإلا فأقبل إلى حين تنظر في كتابي، فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك، إلا أن تبعث بالمال، والسلام.
وكان الرسول أبو جرة الحنفي، فقال له أبو جرة: إن تبعث بهذا المال وإلا فاشخص معي إلى أمير المؤمنين. فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة، وكان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ثم أقبل من البصرة حتى أتى عليا عليه السلام بالكوفة، فأقره أياما لم يذكر له شيئا، ثم سأله المال، فأدى إليه مائتي ألف درهم، وعجز عن الباقي.
قال: فروى ابن أبي سيف، عن أبي الصلت، عن ذهل بن الحارث، قال: دعاني مصقلة إلى رحله، فقدم عشاء فطعمنا منه، ثم قال: و الله إن أمير المؤمنين عليه السلام يسألني هذا المال، ووالله ما أقدر عليه، فقلت له: لو شئت لم يمض عليك جمعة حتى تجمع هذا المال، فقال: ما كنت لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد.
ثم قال: والله لو أن ابن هند مطالبي بها، أو ابن عفان، لتركها لي، ألم تر إلى عثمان كيف أعطى الأشعث مائة ألف درهم من خراج أذربيجان في كل سنة! فقلت: إن هذا لا يرى ذلك الرأي، وما هو بتارك لك شيئا. فسكت ساعة، وسكت عنه، فما مكث ليلة واحدة (2) بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية.
فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: ما له ترحه الله! فعل فعل السيد وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر، أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئا أخذناه،