ادن منى، فدنوت، فقال لي مسرا: اذهب إلى منزل الرجل فاعلم ما فعل، فإنه قل يوم لم يكن يأتيني فيه قبل هذه الساعة، فأتيت إلى منزله، فإذا ليس في منزله منهم ديار، فدرت على أبواب دور أخرى، كان فيها طائفة من أصحابه، فإذا ليس فيها داع ولا مجيب فأقبلت إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لي حين رآني: أوطنوا (1) فأقاموا أم جبنوا فظعنوا؟ قلت: لا بل ظعنوا، فقال: أبعدهم الله كما بعدت ثمود! أما والله لو قد أشرعت لهم الأسنة، وصبت على هامهم السيوف، لقد ندموا، إن الشيطان قد استهواهم وأضلهم، وهو غدا متبرئ منهم، ومخل عنهم، فقام إليه زياد بن خصفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلا فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم علينا، فإنهم قلما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا، وقلما ينقصون من عددنا بخروجهم منا، ولكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك، فائذن لي في اتباعهم حتى أردهم عليك إن شاء الله.
فقال له عليه السلام: فأخرج في آثارهم راشدا، فلما ذهب ليخرج قال له: وهل تدرى أين توجه القوم؟ قال: لا والله، ولكني أخرج فأسأل وأتبع الأثر، فقال: اخرج رحمك الله حتى تنزل دير أبى موسى ثم لا تبرحه حتى يأتيك أمري، فإنهم إن كانوا خرجوا ظاهرين بارزين للناس في جماعة، فإن عمالي ستكتب إلى بذلك، وإن كانوا متفرقين مستخفين، فذلك أخفى لهم، وسأكتب إلى من حولي من عمالي فيهم.
فكتب نسخة واحدة وأخرجها إلى العمال:
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من العمال، أما بعد، فإن رجالا لنا عندهم تبعة، خرجوا هرابا نظنهم خرجوا نحو بلاد البصرة، فاسأل عنهم أهل بلادك، واجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك، ثم اكتب إلى بما ينتهى إليك عنهم. والسلام.