تلك حمر النعم، فقلت له: يا أمير المؤمنين، أنا والله كذلك من أولئك، أنا والله حيث تحب.
ثم مضيت إلى زياد بالكتاب، وأنا على فرس رائع كريم، وعلى السلاح، فقال لي زياد: يا بن أخي، والله ما لي عنك من غنى (1)، وإني أحب أن تكون معي في وجهي هذا، فقلت: إني قد استأذنت أمير المؤمنين في ذلك فأذن لي، فسر بذلك، ثم خرجنا حتى أتينا الموضع الذي كانوا فيه، فسألنا عنهم، فقيل: أخذوا نحو المدائن فلحقناهم، وهم نزول بالمدائن، وقد أقاموا بها يوما وليلة، وقد استراحوا وعلفوا خيولهم، فهم جامون مريحون، وأتيناهم وقد تقطعنا ولغبنا ونصبنا، فلما رأونا وثبوا على خيولهم، فاستووا عليها، فجئنا حتى انتهينا إليهم، فنادى الخريت بن راشد: يا عميان القلوب والابصار، أمع الله وكتابه أنتم أم مع القوم الظالمين؟ فقال له زياد بن خصفة: بل مع الله وكتابه وسنة رسوله، ومع من الله ورسوله وكتابه آثر عنده من الدنيا ثوابا ولو أنها منذ يوم خلقت إلى يوم تفنى لآثر الله عليها. أيها العمى الابصار، الصم الاسماع!
فقال الخريت: فأخبرونا ما تريدون؟ فقال له زياد - وكان مجربا رفيقا: قد ترى ما بنا من النصب واللغوب (2)، والذي جئنا له لا يصلح فيه الكلام علانية على رؤوس أصحابك، ولكن تنزلون وننزل، ثم نخلو جميعا، فنتذاكر أمرنا وننظر فيه، فإن رأيت فيما جئنا له حظا لنفسك قبلته، وإن رأيت فيما أسمع منك أمرا أرجو فيه العافية لنا ولك لم أرده عليك.
فقال الخريت: انزل، فنزل فأقبل إلينا زياد، فقال: أنزلوا على هذا الماء، فأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء، فنزلنا به، فما هو إلا أن نزلنا فتفرقنا، فتحلقنا عشرة وتسعة وثمانية وسبعة، تضع كل حلقة طعامها بين أيديها، لتأكل ثم تقوم إلى الماء فتشرب.