ولا ندم على ما قال لأمير المؤمنين وما رد عليه، ولكنه قال لهم: يا هؤلاء، إني قد رأيت أن أفارق هذا الرجل، وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد، ولا أرى إلا المفارقة، فقال له أكثر أصحابه: لا تفعل حتى تأتيه، فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه، وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه! قال لهم: نعم ما رأيتم، قال: فاستأذنت عليهم فأذنوا لي، فأقبلت على ابن عمه - وهو مدرك بن الريان الناجي، وكان من كبراء العرب - فقلت له: إن لك على حقا لإحسانك وودك وحق المسلم على المسلم (1). إن ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك، فأخل به فاردد عليه رأيه وعظم عليه ما أتى، واعلم أنى خائف إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته فقال: جزاك الله خيرا من أخ! إن أراد فراق أمير المؤمنين عليه السلام ففي ذلك هلاكه، وإن اختار مناصحته والإقامة معه ففي ذلك حظه ورشده.
قال: فأردت الرجوع إلى علي عليه السلام، لأعلمه الذي كان، ثم اطمأننت إلى قول صاحبي، فرجعت إلى منزلي، فبت ثم أصبحت، فلما ارتفع النهار أتيت أمير المؤمنين عليه السلام، فجلست عنده ساعة، وأنا أريد أن أحدثه بالذي كان على خلوة، فأطلت الجلوس، ولا يزداد الناس إلا كثرة، فدنوت منه، فجلست وراءه، فأصغى إلى برأسه، فأخبرته بما سمعته من الخريت، وما قلت لابن عمه وما رد على، فقال عليه السلام:
دعه، فإن قبل الحق ورجع عرفنا له ذلك وقبلناه منه، فقلت: يا أمير المؤمنين، فلم لا تأخذه الان فتستوثق منه؟ فقال: إنا لو فعلنا هذا بكل من يتهم من الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب بالناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لي الخلاف.
قال: فسكت عنه وتنحيت، فجلست مع أصحابي هنيهة، فقال لي عليه السلام: