شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٣ - الصفحة ١٥
ذلك، لأنه بخلاف الدين، ولا بد أن يقولوا: إن قتله ظلم، وكذلك حبسه في الدار، ومنعه من الماء، فقد كان يجب أن يدفع القوم عن كل ذلك، وأن يقال: إن من لم يدفعهم وينكر عليهم يكون مخطئا.
وفي القول بأن الصحابة اجتمعوا على ذلك كلهم تخطئة لجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك غير جائز، وقد علم أيضا أن المستحق للقتل والخلع لا يحل أن يمنع الطعام والشراب، وعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يمنع أهل الشام من الماء في صفين، وقد تمكن من منعهم، وكل ذلك يدل على كون عثمان مظلوما، وأن ذلك من صنع الجهال، وأن أعيان الصحابة كانوا كارهين لذلك. وأيضا فإن قتله لو وجب لم يجز أن يتولاه العوام من الناس، ولا شبهة أن الذين أقدموا على قتله كانوا بهذه الصفة، وإذا صح أن قتله لم يكن لهم، فمنعهم والنكير عليهم واجب.
وأيضا فقد علم أنه لم يكن من عثمان ما يستحق به القتل، من كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق، وأنه لو كان منه ما يوجب القتل لكان الواجب أن يتولاه الامام، فقتله على كل حال منكر، وإنكار المنكر واجب.
وليس لأحد أن يقول: إنه أباح قتل نفسه، من حيث امتنع من دفع الظلم عنهم، لأنه لم يمتنع من ذلك، بل أنصفهم، ونظر في حالهم، ولأنه لو لم يفعل ذلك لم يحل لهم قتله، لأنه إنما يحل قتل الظالم إذا كان على وجه الدفع، والمروي أنهم أحرقوا بابه، وهجموا عليه في منزله، وبعجوه بالسيف والمشاقص (1) وضربوا يد زوجته لما وقعت عليه، وانتهبوا متاع داره، ومثل هذه القتلة لا تحل في الكافر والمرتد، فكيف يظن أن الصحابة لم ينكروا ذلك، ولم يعدوه ظلما، حتى يقال إنه مستحق من حيث لم يدفع القوم عنه! وقد تظاهر الخبر بما جرى من تجمع القوم عليه، وتوسط أمير المؤمنين عليه السلام لأمرهم وأنه

(1) المشاقص: جمع مشقص، وهو النصل العريض.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 بقية رد المرتضى على ما أرده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان 4
2 ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها 11
3 بيعة جرير بن عبد الله البجلي لعلي 70
4 بيعة الأشعث لعلي 73
5 دعوة علي معاوية إلى البيعة والطاعة ورد معاوية عليه 74
6 أخبار متفرقة 91
7 مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لمعاوية 115
8 نسب جرير وبعض أخباره 117
9 44 - ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية 119
10 نسب بنى ناجية 120
11 نسب علي بن الجهم وطائفة من أخباره وشعره 122
12 نسب مصقلة بن هبيرة 127
13 خبر بني ناجية مع علي 127
14 قصة الخريت بن راشد الناجي وخروجه على علي 128
15 45 - من خطبة له عليه السلام في الزهد وتعظيم الله وتصغير أمر الدنيا 152
16 فصل بلاغي في الموازنة والسجع 153
17 نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة وذم الطمع 154
18 46 - من كلام له عليه السلام عن عزمه على المسير إلى الشام 165
19 أدعية على عند خروجه من الكوفة لحرب معاوية 166
20 كلام علي حين نزل بكربلاء 169
21 كلامه لأصحابه وكتبه إلى عماله 171
22 كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية وجوابه عليه 188
23 47 - من كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة \ 197
24 فصل في ذكر فضل الكوفة 198
25 48 - من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام 200
26 أخبار علي في جيشه وهو في طريقه إلى صفين 202
27 49 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه وتمجيده 216
28 فصول في العلم الإلهي: 217
29 الفصل الأول وهو الكلام على كونه تعالى عالما بالأمور الخفية 218
30 الفصل الثاني في تفسير قوله عليه السلام: " ودلت عليه أعلام الظهور " 221
31 الفصل الثالث في أن هويته تعالى غير هوية البشر 222
32 الفصل الرابع في نفي التشبيه عنه تعالى 223
33 الفصل الخامس في بيان أن الجاحد له مكابر بلسانه ومثبت له بقلبه 238
34 50 - من خطبة له عليه السلام يصف وقوع الفتن 240
35 51 - من كلام له عليه السلام لما غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السلام على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء 244
36 الأشعار الواردة في الإباء والأنف من احتمال الضيم 245
37 أباة الضيم وأخباره 249
38 غلبة معاوية على الماء بصفين ثم غلبة علي عليه بعد ذلك 312
39 52 - من خطبة له في وصف الدنيا ما قيل من الأشعار في ذم الدنيا 335