فأما مدحها له وثناؤها عليه، فإنما كانا عقيب علمها بانتقال الامر إلى من انتقل إليه، والسبب فيه معروف، وقد وقفت عليه، وقوبل بين كلامها فيه متقدما ومتأخرا.
فأما قوله: لا يمتنع أن يتعلق باخبار الآحاد في ذلك لأنها في مقابلة ما يدعونه مما طريقه أيضا الآحاد، فواضح البطلان، لان إطباق الصحابة وأهل المدينة - إلا من كان في الدار معه على خلافه، فإنهم كانوا بين مجاهد ومقاتل مبارز، وبين متقاعد خاذل - معلوم ضرورة لكل من سمع الاخبار، وكيف يدعى أنها من جهة الآحاد حتى يعارض بأخبار شاذة نادرة! وهل هذا إلا مكابرة ظاهرة!
فأما قوله: إنا لا نعدل عن ولايته بأمور محتملة، فقد مضى الكلام في هذا المعنى، وقلنا إن المحتمل هو ما لا ظاهر له، ويتجاذبه أمور محتملة، فأما ما له ظاهر فلا يسمى محتملا وإن سماه بهذه التسمية، فقد بينا أنه مما يعدل من أجله عن الولاية، وفصلنا ذلك تفصيلا بينا.
وأما قوله: إن للامام أن يجتهد برأيه في الأمور المنوطة به، ويكون مصيبا وإن أفضت إلى عاقبة مذمومة، فأول ما فيه أنه ليس للامام ولا غيره أن يجتهد في الاحكام ولا يجوز أن يعمل فيها إلا على النص، ثم إذا سلمنا الاجتهاد، فلا شك أن هاهنا أمورا لا يسوغ فيها الاجتهاد، حتى يكون من خبرنا عنه بأنه اجتهد فيها غير مصوب (1)، وتفصيل هذه الجملة يبين عند الكلام على ما تعاطاه من الاعذار عن إحداثه (2) على جهة التفصيل.
* * * قلت: الكلام في هذا الموضع على سبيل الاستقصاء إنما يكون في الكتب الكلامية المبسوطة في مسألة الإمامة، وليس هذا موضع ذاك، ولكن يكفي قاضى القضاة أن يقول: