فقال: لا أرغب بنفسي عن نصرة أم المؤمنين، وحواري رسول الله! فخرج معهم. وإني لجالس مع الأحنف، يستنبئ الاخبار، إذا بالجون بن قتادة، ابن عمي مقبلا، فقمت إليه واعتنقته، وسألته عن الخبر، فقال: أخبرك العجب، خرجت وأنا لا أريد أن أبرح الحرب حتى يحكم الله بين الفريقين، فبينا أنا واقف مع الزبير، إذ جاءه رجل، فقال:
أبشر أيها الأمير، فإن عليا لما رأى ما أعد الله له من هذا الجمع، نكص على عقبيه، وتفرق عنه أصحابه. وأتاه آخر، فقال له مثل ذلك، فقال الزبير: ويحكم!
أبو حسن يرجع! والله لو لم يجد إلا العرفج (1) لدب إلينا فيه. ثم أقبل رجل آخر، فقال: أيها الأمير، إن نفرا من أصحاب علي فارقوه ليدخلوا معنا، منهم عمار بن ياسر، فقال الزبير: كلا ورب الكعبة، إن عمارا لا يفارقه أبدا، فقال الرجل: بلى والله، مرارا.
فلما رأى الزبير أن الرجل ليس براجع عن قوله، بعث معه رجلا آخر، وقال: اذهبا فانظرا، فعادا وقالا: إن عمارا قد أتاك رسولا من عند صاحبه. قال جون: فسمعت والله الزبير يقول: وا انقطاع ظهراه! وا جدع أنفاه! وا سواد وجهاه! ويكرر ذلك مرارا، ثم أخذته رعده شديدة، فقلت: والله إن الزبير ليس بجبان، وإنه لمن فرسان قريش المذكورين، وإن لهذا الكلام لشأنا، ولا أريد أن أشهد مشهدا يقول أميره هذه المقالة، فرجعت إليكم فلم يكن إلا قليل حتى مر الزبير بنا متاركا للقوم، فأتبعه عمير بن جرموز فقتله.
* * * أكثر الروايات على أن ابن جرموز قتل مع أصحاب النهر، وجاء في بعضها أنه عاش إلى أيام ولاية مصعب بن الزبير العراق، وأنه لما قدم مصعب البصرة خافه ابن جرموز