ونقلت من " أمالي " أبي أحمد العسكري رحمه الله تعالى، قال: خطب الحجاج يوما، فقال: أيها الناس، قد أصبحتم في أجل منقوص، وعمل محفوظ. رب دائب مضيع وساع لغيره. والموت في أعقابكم، والنار بين أيديكم، والجنة أمامكم، خذوا من أنفسكم لأنفسكم، ومن غناكم لفقركم، ومما في أيديكم لما بين أيديكم، فكأن ما قد مضى من الدنيا لم يكن، وكأن الأموات لم يكونوا أحياء، وكل ما ترونه فإنه ذاهب.
هذه شمس عاد وثمود وقرون كثيرة بين ذلك، هذه الشمس التي طلعت على التبابعة والأكاسرة وخزائنهم السائرة بين أيديهم وقصورهم المشيدة، ثم طلعت على قبورهم!
أين الملوك الأولون! أين الجبابرة المتكبرون! المحاسب الله، والصراط منصوب، وجهنم تزفر وتتوقد، وأهل الجنة ينعمون، في روضة يحبرون، جعلنا الله وإياكم من الذين، " إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا " (1).
قال: فكان الحسن رحمه الله تعالى يقول: ألا تعجبون من هذا الفاجر، يرقى عتبات المنبر فيتكلم بكلام الأنبياء، وينزل فيفتك فتك الجبارين! يوافق الله في قوله، ويخالفه في فعله!
(استطراد بلاغي في الكلام على المقابلة) وأما ما ذكره الرضي رحمه الله تعالى من المقابلة بين السبقة والغاية، فنكتة جيده من علم البيان، ونحن نذكر فيها أبحاثا نافعة، فنقول:
إما أن مقابل الشئ ضده أو ما ليس بضده.
فالأول كالسواد والبياض، وهو قسمان: أحدهما: مقابله في اللفظ والمعنى.