فهرب، فقال مصعب: ليظهر سالما، وليأخذ عطاءه موفورا، أيظن أني أقتله بأبي عبد الله وأجعله فداء له! فكان هذا من الكبر المستحسن.
كان ابن جرموز يدعو لدنياه، فقيل له: هلا دعوت لآخرتك؟ فقال: أيست من الجنة.
الزبير أول من شهر سيفه في سبيل الله، قيل له في أول الدعوة، قد قتل رسول الله، فخرج وهو غلام يسعى بسيفه مشهورا.
* * * وروى الزبير بن بكار في " الموفقيات (1) " قال: لما سار علي عليه السلام إلى البصرة، بعث ابن عباس فقال: ائت الزبير، فاقرأ عليه السلام، وقل له: يا أبا عبد الله، كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة! فقال ابن عباس: أفلا آتي طلحة؟ قال: لا، إذا تجده عاقصا قرنه في حزن، يقول: هذا سهل.
قال: فأتيت الزبير، فوجدته في بيت يتروح في يوم حار وعبد الله ابنه عنده فقال:
مرحبا بك يا بن لبابة، أجئت زائرا أم سفيرا؟ قلت: كلا، إن ابن خالك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: يا أبا عبد الله، كيف عرفتنا بالمدينة، وأنكرتنا بالبصرة! فقال:
علقتهم أني خلقت عصبه * قتادة تعلقت بنشبه.
لن أدعهم حتى أؤلف بينهم! قال: فأردت منه جوابا غير ذلك، فقال لي ابنه عبد الله:
قل له بيننا وبينك دم خليفة، ووصية خليفة، واجتماع اثنين، وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشيرة. قال: فعلمت أنه ليس وراء هذا الكلام إلا الحرب، فرجعت إلى علي عليه السلام فأخبرته.