قالوا: وهذا من باب الاستدراج اللطيف، لان معاوية علم أنه إن أجابه بجواب يتضمن الدعوى، لكونه خيرا من علي عليه السلام لم يلتفت أحد إليه، ولم يكن له كلام يتعلق به، لان آثار علي عليه السلام في الاسلام، وشرفه وفضيلته تجل أن يقاس بها أحد، فعدل عن ذكر ذلك إلى التعلق بما تعلق به، فكان الفلج له.
ذكر هذا الخبر نصر الله بن الأثير في كتابه المسمى ب " المثل السائر " في باب الاستدراج (1).
وعندي أن هذا خارج عن باب الاستدراج، وأنه من باب الجوابات الاقناعية التي تسميها الحكماء الجدليات والخطابيات، وهي أجوبة إذا بحث عنها لم يكن وراءها تحقيق، وكانت ببادئ النظر مسكتة للخصم، صالحه لمصادمته في مقام المجادلة.
ومثل ذلك قول معاوية لأهل الشام حيث التحق به عقيل بن أبي طالب: يا أهل الشام، ما ظنكم برجل لم يصلح لأخيه!
وقوله لأهل الشام: إن أبا لهب المذموم في القرآن باسمه، عم علي بن أبي طالب.
فارتاع أهل الشام لذلك، وشتموا عليا ولعنوه.
ومن ذلك قول عمر يوم السقيفة: أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله صلى الله عليه للصلاة!
ومن ذلك قول علي عليه السلام مجيبا لمن سأله: كم بين السماء والأرض؟ فقال:
دعوة مستجابة.