قوله (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة باسا) يعني أن سؤر الهرة طاهر من غير كراهة عند هؤلاء الأئمة وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة والليث وغيره من أهل مصر والأوزاعي وغيره من أهل الشام والثوري ومن وافقه من أهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وعلقمة وإبراهيم وعطاء ابن يسار والحسن فيما روى عنه الأشعث والثوري فيما روى عنه أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي كذا ذكره الحافظ بن عبد البر وبه قال أبو يوسف حكاه العيني والطحاوي وهو رواية عن محمد ذكره الزاهدي في شرح مختصر القدوري والطحاوي كذا في التعليق الممجد وقال الحنفية إن سؤر الهرة طاهر مع الكراهة واحتج الأولون بأحاديث الباب وقولهم هو الحق والصواب واحتج الحنفية بأن أحاديث الباب تدل على طهارته والأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة وكذلك كونها سبعا يدل بظاهره على نجاسته فأثبتوا حكم الكراهة عملا بهما ورد احتجاجهم هذا بأن الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة لم يثبت وأما ما ورد في حديث أبي هريرة المذكور في الباب المتقدم من الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة بلفظ وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة فقد عرفت أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مدرج وقال القاري في المرقاة بعد ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه وأما خبر يغسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا ومن ولوغ الهرة مرة فمدرج من قول أبي هريرة كما بينه البيهقي وغيره وإن خفي على الطحاوي ولذا قال سؤر الهرة مكروه كراهة تحريم قال وأما ما اشتهر بين الناس من أنه عليه الصلاة والسلام قطع ذيل ثوبه الذي رقدت عليه هرة فلا أصل له انتهى فأما كونها سبعا فلم يثبت بحديث صحيح وما جاء فيه فهو ضعيف لا يقاوم الأحاديث التي هي نصوص صريحة في أن الهرة ليست بنجسة على أنه لا يلزم من كونها سبعا أن تكون نجسة قال القاضي الشوكاني في النيل حديث الباب مصرح بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة السباع وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة
(٢٦٢)