ليخلي أطباق أرضه وأهل الجد في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلي بها، وإمام يؤتم به ويقتدى بسبيل سنته ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق ووطئ الباطل وإعلاء الدين وإطفاء الضلال، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض وتتبع أقاصيها، فإن لكل ولي لأولياء الله عز وجل عدوا مقارعا وضدا منازعا، افتراضا لمجاهدة أهل النفاق وخلاعة أولي الالحاد والعناد، فلا يوحشنك ذلك.
واعلم أن قلوب أهل الطاعة والاخلاص نزع إليك مثل الطير إلى أوكارها، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة، وهم عند الله بررة أعزاء، يبرزون بأنفس مختلة محتاجة، وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد، خصهم الله باحتمال الضيم في الدنيا ليشملهم باتساع العز في دار القرار، وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى، وكرامة حسن العقبى.
فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد أمورك تفز بدرك الصنع في مصادرها، واستشعر العز فيما ينوبك تحظ بما تحمد غبه إن شاء الله، وكأنك يا بني بتأييد نصر الله [و] قد آن، وتيسير الفلج وعلو الكعب [و] قد حان، وكأنك بالرايات الصفر والاعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكأنك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود، تلوذ بفنائك من ملا يراهم الله من طهارة الولادة ونفاسة التربة، مقدسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينة عرائكهم للدين، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم يدينون بدين الحق وأهله، فإذا اشتدت أركانهم، وتقومت أعمادهم فدت بمكانفتهم طبقات الأمم إلى إمام، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعبت أفنان غصونها على حافاة بحيرة الطبرية فعندها يتلألأ صبح الحق وينجلي ظلام الباطل، ويقصم الله بك الطغيان، ويعيد معالم الايمان، يظهر بك استقامة الآفاق وسلام الرفاق، يود الطفل في المهد لو استطاع إليك