قال إبراهيم: فشخصت معه إلى الطائف أتخلل رملة فرملة، حتى أخذ في بعض مخارج الفلاة فبدت لنا خيمة شعر، قد أشرفت على أكمة رمل تتلألأ تلك البقاع منها تلألؤا، فبدرني إلى الاذن، ودخل مسلما عليهما وأعلمهما بمكاني فخرج علي أحدهما وهو الأكبر سنا " م ح م د " ابن الحسن عليهما السلام وهو غلام أمرد ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدين، أقنى الانف، أشم أروع، كأنه غصن بان، وكأن صفحة غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال كأنه فتاة مسك على بياض الفضة، وإذا برأسه وفرة سحماء سبطة تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه، ولا أعرف حسنا وسكينة وحياء. فلما مثل لي أسرعت إلى تلقيه فأكببت عليه ألثم كل جارحة منه، فقال لي: مرحبا بك يا أبا إسحاق لقد كانت الأيام تعدني وشك لقائك، والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار وتراخي المزار، تتخيل لي صورتك حتى كأنا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة وخيال المشاهدة، وأنا أحمد الله ربي ولي الحمد على ما قيض من التلاقي، ورفه من كربة التنازع والاستشراف عن أحوالها متقدمها ومتأخرها.
فقلت: بأبي أنت وأمي ما زلت أفحص عن أمرك بلدا فبلدا، منذ استأثر الله بسيدي أبي محمد عليه السلام فاستغلق علي ذلك حتى من الله علي بمن أرشدني إليك ودلني عليك، والشكر لله على ما أوزعني فيك من كريم اليد والطول، ثم نسب نفسه وأخاه موسى واعتزل بي ناحية، ثم قال: إن أبي عليه السلام عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها إسرارا لامري، وتحصينا لمحلي لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال، فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض ينظرني الغاية التي عندها يحل الامر وينجلي الهلع.
وكان عليه السلام أنبط لي من خزائن الحكم، وكوامن العلوم ما إن أشعت إليك منه جزء أغناك عن الجملة.
[واعلم] يا أبا إسحاق أنه قال عليه السلام: يا بني إن الله جل ثناؤه لم يكن