بعد أن فتح المسلمون تلك الأقاليم واطمأنوا وكثرت عندهم الخيرات والأموال، أخذوا ينقمون على الخليفة حيث رأى من الصالح للأمة عزل بعض الولاة فعزلهم، وولى من فيه الكفاية من أقاربه وذوي رحمه، فظن الناس به ظنونا هو برئ منها، وفشت الفتنة واستفحل أمرها، حتى حضرت وفود من الكوفة والبصرة ومصر في وقت واحد طالبين تولية غير عثمان، أو عزل من ولاهم على الأمصار.
وأخيرا استقر الحال على إجابتهم لما طلبوا من عزل بعض العمال، وعلى ذلك اختار أهل مصر أن يولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق، فكتب عثمان لهم بذلك عهدا ورحلوا من المدينة مع واليهم الجديد، وبينما هم ذاهبون رأوا عبدا من عبيد الخليفة على راحلة من إبله يستحثها فأوقفوه وفتشوه، فوجدوا معه كتابا مختوما بختم الخليفة لعبد الله بن أبي سرح مضمونة:
إذا قدم عليك ابن أبي بكر ومن معه فاحتل في قتلهم.
فأخذوا الكتاب ورجعوا إلى المدينة، وأطلعوا الخليفة عليه فأقسم لهم أنه ما فعل ولا أمر ولا علم فقالوا: هذا أشد، يؤخذ خاتمك، وبعير من إبلك، وعبد من عبيدك وأنت لا تعلم، ما أنت إلا مغلوب على أمرك فطلبوا منه الاعتزال، أو تسليم الكاتب فأبى، فأجمعوا على محاصرته، فحاصروه في داره ومنعوا عنه الزاد والماء أياما عديدة:
وهاجت الثوار، وكثر القيل والقال، فطلب منه بعض الصحابة الإذن بالمدافعة عنه فلم يقبل، ولم يأذن لأحد حتى أنه قال لعبيده الذين هبوا للدفاع عنه: من أغمد منكم سيفه فهو حر. استسلاما للقضاء، فتسلق بعض الأشرار الدار، ودخلوا عليه وقتلوه، والمصحف بين يديه يتلوه فيه سورة البقرة فنزلت قطرة من دمه على: فسيكفيكهم الله وكان يومئذ صائما. ا ه.
ولعل الأستاذ بعد الوقوف على هذا الجزء من كتابنا ينتبه لمواقع النظر في تأليفه فيميز الحي من اللي، ويعرف الصحيح من المعلول، ويتبع الحق والحق أحق أن يتبع.
وفي مقدم هؤلاء الأساتذة أستاذ تاريخ الأمم الإسلامية بالجامعة المصرية ووكيل مدرسة القضاء الشرعي الشيخ محمد الخضري صاحب المحاضرات، وقد قدمنا في