قال الأميني: إن زبدة مخض هذه الكلمات المعتضدة بعضها ببعض أن ابن هند لم يشذ عن الصحابة في أمر عثمان، وإنما يفترق عنهم بأن أولئك كانوا مهاجمين عليه أو خاذلين له، وأما معاوية فقد اختص بالخذلان والتخذيل اللذين كان يروقه نتاجهما حتى وقع ما كان يحبه ويتحراه، وحتى حسب صفاء الجو ما كان يضمره من التشبث بثارات عثمان، والظاهر بعد الأخذ بمجامع هذه النقول عن أعاظم الصحابة وبعد تصوير الحادثة نفسها من شتى المصادر: أن لخذلان معاوية أتم مدخلية في انتهاء أمر الخليفة إلى ما انتهي إليه، والخاذل غير بعيد عن المجهز، ومن هنا وهنا يقول له الإمام عليه السلام: فوالله ما قتل ابن عمك غيرك. ويقول: ولعمري ما قتله غيرك، ولا خذله سواك، إلى كلمات آخرين لا تخفى عليهم نوايا الرجل، فلو كان مستعجلا بكتائبه إلى دخول المدينة، غير متربص قتل ابن عمه لحاموه ونصروه، وكان مبلغ أمره عندئذ إما إلى الفوز بهم، أو تراخي الأمر إلى أن يبلغه بقية الأنصار من بلاد أخرى، فيكون النصر بهم جميعا، لكن معاوية ما كان يريد ذلك وإنما كان مستبطئ أجل الرجل، طامعا في تقلده الخلافة من بعده، فتركه والقوم فهو أظلم الظالمين إن كان قتل مظلوما كما قاله حبر الأمة، أو أنه من الصحابة العدول كما يحسبه القوم وهذا رأيه في الخليفة المقتول.
- 35 - حديث عثمان نفسه دخل المغيرة بن شعبة على عثمان رضي الله عنه وهو محصور فقال: يا أمير المؤمنين!
إن هؤلاء قد اجتمعوا عليك فإن أحببت فألحق بمكة؟ وإن أحببت أن نخرق لك بابا من الدار فتلحق بالشام؟ ففيها معاوية وأنصارك من أهل الشام، وإن أبيت فاخرج ونخرج وتحاكم القوم إلى الله فقال عثمان: أما ما ذكرت من الخروج إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة من الإنس والجن. فلن أكون ذلك الرجل إن شاء الله. الحديث.
وفي لفظ أحمد: يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا إياه.