بقتله وسمته نعثلا كافرا فهل بقية الرواة وهم: عبد الله بن عمر وأبو هريرة ومرة البهزي وعبد الله بن حوالة وأبو سهلة وأنس أصفقوا معها على النسيان؟ أو أنهم ما كانوا يروونها يومئذ ثم اقتضت الظروف أن يرووها؟ أو أنها اختلقت بعدهم على ألسنتهم؟
ولو كان لهذه الكلمات المعزوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - من قوله: عليكم بالأمين وأصحابه، وقوله: اتبعوا هذا وأصحابه، وقوله: اتبع هذا الرجل فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق - مقيلا من الصحة لا ستدعى أن يفيضها على الصحابة كلهم لأن قضيتها أن تلك الفتنة الموعود بها من الفتن المضلة، وإن عثمان عندئذ في جانب الحق، وما كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم بالذي يشح على أمته بالارشاد إلى ما فيه هدايتهم و صلاحهم الديني، وهو مقيض لذلك ومبعوث لأجله، فلماذا لم يروها غير هؤلاء؟ و لا عرفها غيرهم ولو بوساطتهم؟ وكان إلقائها عليهم مسارة لا يطلع عليها أحد؟ ولماذا ترك هؤلاء الاحتجاج بها يوم الدار؟ وفي القوم وهم الأكثرون من إن يسمع بها لا يتباطأ عن الخضوع للأمر النبوي المطاع، أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين؟
إن هذا إلا اختلاق.
نظرة في مناقب عثمان الواردة في الصحاح والمسانيد إلى هنا سبرنا صحيفة من حياة عثمان ولا أدري أهي بيضاء أم غيرها؟! لكن الباحث الممعن فيها يوقفه التنقيب على نفسياته ومقداره، والغاية من هذا الاسهاب أن نجعل نتيجة هذا الخوض والبحث مقياسا في أمره نرد إليه كل ما يؤثر في حقه فإن ساوى المقياس أثبتناه، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا أنه من الغلو في الفضائل.
وما سردنا إلى هنا من دعارة في الخلق، وعرامة في الطباع، وعرارة في الشكيمة وشرة في الغرائز، وفظاظة في الأعمال، وتعسف في الحكم، واتباع للشهوات، وميل عن الحق، ودناءة في النفس، وسقطة في الرأي، وسرف في القول، إلى الكثير المتوفر من أمثال هذه مما لا تحمد فعليته ولا عقباه، لا يدع الباحث أن يخضع لشئ مما قيل أو تقول فيه من الفضل قويت أسانيده أو وهنت.