على أنه يقول فيها: إن وليدا قرأه على رؤس الاشهاد، كأنه يحاول معذرة عما أرتكب من كعب، وإنه كان برضى من المسلمين، ولو صحت المزعمة لكانت مستفيضة إذ الدواعي كانت متوفرة على نقلها، لكنهم لم يسمعوها فلم يرووها، مضافا إلى أن المعروف من كعب بن عبدة أنه كان من نساك الكوفة وقرائها كما سمعته من كلام البلاذري وغيره لا ممن يتلهى بالنيرنجات وأشباهها.
وإن تعجب فعجب ان صاحب النيرنج - لو صدقت الأحلام - يعزز ويعاقب، ومعاقر الخمور وليد الفجور لا يحد لشربه الخمر إلا بعد نقمة الصحابة على خليفة الوقت من جراء ذلك، ثم يكون مقيم الحد عليه غيره وهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ولم يكن في أولئك المسيرين من يسمى مالك بن عبد الله وإنما كان فيهم مالك بن الحارث الأشتر، ومالك بن حبيب الصحابيان كما تقدم ذكرهما.
وأبيات كعب تناسب أن يخاطب بها عثمان لا الوليد فإنه هو ابن أروى بنت كريز وفيها صراحة بسبب اغتراب كعب وجفوته وشتمه، وإنها كانت في ذات الله، يقول ذلك بملأ فمه ولا يرد عليه راد بأنها ليست في ذات الله وإنما هي لأنه كان يعالج نيرنجا.
هكذا لعبت بالتاريخ يد الأهواء والشهوات تزلفا إلى أناس وانحيازا عن آخرين، فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
- 45 - تسيير الخليفة عامر بن عبد قيس التميمي البصري الزاهد الناسك إلى الشام.
أخرج الطبري من طريق العلاء بن عبد الله بن زيد العنبري إنه قال: اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان وما صنع، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه ويخبره بأحداثه، فأرسلوا إليه عامر بن عبد الله التميمي ثم العنبري وهو الذي يدعى عامر بن عبد قيس فأتاه فدخل عليه فقال له: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله عز وجل وتب إليه وانزع عنها.
قال له عثمان: انظر إلى هذا فإن الناس يزعمون أنه قارئ ثم هو يجئ فيكلمني في المحقرات فوالله ما يدري أين الله. قال عامر: أنا لا أدري أين الله؟ قال نعم، والله ما تدري أين الله. قال عامر: بلى والله إني لأدري إن الله بالمرصاد لك. فأرسل عثمان إلى