كما أن آراء الصحابة الأولين التي زففناها إلى مناظرك في هذا الجزء من صفحة 69 - 168 لا تدع مجالا للبحث عن صحة تلكم المفتعلات فضلا عن إثباتها، وأنك تجد في مرسليها أو مسنديها لفائف من زبانية الميول والأهواء من بصري أو شامي أنهوا أسانيدهم في الغالب إلى موالي عثمان أو إلى رجال بيته الساقط، وذلك مما يعطي أنها من صنايع معاوية للخليفة المقتول الذي اتخذ أمره سلما إلى ما كان يبتغيه من المرتقى، وكان معاوية يهب القناطير المقنطرة لوضع الأحاديث في فضائل أبناء بيته الشجرة المنعوتة في القرآن، من بني أمية عامة، ومن آل أبي العاص خاصة، أضف إلى ذلك ما يكتنف أغلب تلك المتون من الموهنات التي لا يقاومها أي تمحل في تصحيحها، وإليك نبذة من تلكم الموضوعات:
1 - أخرج مسلم وأحمد من طريق عقيل الأموي عن الليث العثماني عن يحيى ابن سعيد الأموي عن سعيد بن العاص ابن عم عثمان عن عائشة وعثمان قالا: إن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة:
إجمعي عليك ثيابك. فقضيت إليه حاجتي. ثم انصرف، فقالت عائشة: يا رسول الله؟ ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن عثمان رجل حيي (1) وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته (2).
2 - أخرج مسلم غيره من طريق عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلس وسويت ثيابك؟