عن المنكر، حتى تمخضت عليه البلاد ووعرت القلوب، واتسع الخرق على الراقع.
وفي ظني الغالب أن تقدم ثقافة مصر اليوم هو الذي بعث أساتذتها إلى الاكثار في التأليف حول عثمان وتدعيم فضائله وفواضله، وشططوا في إطرائه وبالغوا في الذب عنه بتلفيق الكلام وتزويره، وتسطير الحدد من القول، وسرد المبوق البهرج، وذلك روما لتقديس ساحتهم عما اقترفته أيدي سلفهم الثائر المتجمهر على الخليفة، إذ حسبوه وصمة شوهت سمة الخلف منهم والسلف، وسودت صحيفة تاريخ مصر والمصريين، فهل يتأتى أمل الخلف بهذه الكتيبات المزخرفة؟ لعله يتأتى مثلما رام السلف تحقق توبتهم بالحوبة، لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون.
نظرة في كتب أخرى وقس على هذه الكتب كتاب تاريخ الخلفاء تأليف الأستاذ عبد الوهاب النجار المشحونة صفحاته بمرمعات الرواية وسقطات التاريخ. وكتاب عثمان للأستاذ عمر أبي نصر، ليس فيه إلا أنه أعاد له سبق إليه الشيخ محمد الخضري من نفسياته الأموية جدتها، فما ينقمه الباحث من مواضيع جار فيما بهرجه اللاحق في كتابه.
وكتاب تاريخ الخلفاء الراشدين للأستاذ السيد علي فكري وهو الجزء الثالث من كتابه " أحسن القصص " وهذا أهدأ ما ألف في الموضوع، ينم عن سلامة نفس المؤلف ونزاهة قلمه، وهو وإن ألفه من تلكم السلاسل الوبيلة من الموضوعات، غير أنه لا يتطرق إلى الأبحاث الخطرة، ولا يقتحم المعارك المدلهمة، مما نقم به على الخليفة من الطامات والأحداث، وما قيل في براءته عن لوثها، وكأنه ترجم لخليفة خضعت الرقاب لعظمته، وتسالمت الأمة عليه من جميع نواحيه، ولم يطرق سمعه ما هنالك من حوار وأخذ ورد، ونقد ودفاع، وكأن ما سطره في فضل الخليفة، وكرم طباعه، وسلامة نفسه، أصول موضوعة لا يتوجه إليها غمز ولا انتقاد، وستعرف حالها ومحلها من الاعتبار، فلا تعجل بالقران من قبل أن يقضي إليك وحيه.
ذكر السيد الأستاذ ما جاء في مناقب عثمان من الحديث المختلق من دون أي بحث وتنقيب، من دون أي نقض وإبرام، إلى أن تخلص من البحث عنه بقوله في ص 163: