بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، يقول الله عز وجل: * (والعاقبة للمتقين) * (1) فأمر به إلى الحبس.
فلما صار في الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحن عليه (2)، فجاء صاحب الحبس إلى هشام وأخبره بخبره فأمر به، فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة، وأمر أن لا تخرج لهم الأسواق، وحال بينهم وبين الطعام والشراب، فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدين (3)، فاغلق باب المدينة دونهم، فشكا أصحابه العطش والجوع.
قال: فصعد جبلا أشرف عليهم، فقال بأعلى صوته: يا أهل المدينة الظالم أهلها، إنا بقية الله، يقول الله: * (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) * (4)، قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم، فقال: يا قوم هذه والله دعوة شعيب عليه السلام والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصدقوني هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون فإني ناصح لكم، قال: فبادروا وأخرجوا إلى أبي جعفر وأصحابه الأسواق (5).
وفي الكافي: فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ، فبعث إليه فحمله فلم يدر ما صنع به (6).
أقول: قال العلامة المجلسي رحمه الله في شرح الخبر: فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه، الترشف: المص والتقبيل مع اجتماع الماء في الفم وهو كناية عن