فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، [ونحن نقول كذا] (1) فربما تابعناكم (2)، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخل منها بشئ، ثم قال أبو حنيفة: أليس أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟ (3).
فصل في نبذ من كلامه عليه السلام قال لحمران: يا حمران انظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين، واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله، والكف عن أذى المؤمنين (4) واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل أضر من العجب (5).
وقال عليه السلام: إن قدرت على أن لا تخرج من بيتك فافعل، فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن، ثم قال: نعم صومعة المسلم بيته، يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه (6).
أقول: حث عليه السلام فيه على الاعتزال عن الناس والانس بالله تعالى، قال الشاعر:
رغيف خبز يابس تأكله في زاوية * وكف ماء بارد تشربه في ساقيه