أقول: هذه القصة وجدتها في كتاب الهداية للحسين بن حمدان، عن سعيد بن المسيب. 1 9 - منتخب المجالس 2: قال: حكي عن رجل كوفي حداد، قال: لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي عليهما السلام جمعت حديدا عندي، وأخذت التي وسرت معهم، فلما وصلوا وطنبوا خيمهم بنيت خيمة وصرت أعمل أوتادا للخيم وسككا ومرابط للخيل وأسنة للرماح وما أعوج من سنان أو خنجر أو سيف كنت بكل ذلك بصيرا فصار رزقي كثيرا وشاع ذكري بينهم حتى أتى الحسين عليه السلام مع عسكره فارتحلنا إلى كربلا وخيمنا على شاطئ العلقمي، وقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه، وقتلوه وأنصاره وبنيه، وكان مدة إقامتنا وارتحالنا تسعة عشر يوما فرجعت غنيا إلى منزلي والسبايا معنا، فعرضت على عبيد الله - لعنه الله - فأمر أن يشهروهم إلى يزيد - لعنه الله - إلى الشام.
فلبثت في منزلي أياما قلائل، وإذا أنا ذات ليلة راقد على فراشي، فرأيت طيفا كأن القيامة قامت، والناس يموجون على الأرض كالجراد إذا فقدت دليلها وكلهم دالع لسان على صدره من شدة الظمأ، وأنا أعتقد بأن ما فيهم أعظم مني عطشا لأنه كل سمعي وبصري من شدته هذا غير حرارة الشمس يغلي منها دماغي والأرض تغلي كأنها القير، إذا اشعل تحتها نار، فخلت أن رجلي قد تقلعت قدماها، فوالله العظيم لو أني خيرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لاشربه لرأيت شربه خيرا من عطشي.
فبينا أنا في العذاب الأليم، والبلاء العميم، إذا أنا برجل قد عم الموقف نوره، وابتهج الكون بسروره، راكب على فرس، وهو ذو شيبة قد حفت به ألوف من كل نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح، فمر كأنه ريح أو سيران فلك، فمرت ساعة وإذا