الحسين عليه السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا، فقال لها: يا أماه وأنا والله أعلم ذلك، واني مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بد وإني والله لأعرف اليوم الذي اقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي ادفن فيها، وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي.
ثم أشار إلى جهة كربلا فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه و موضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا، وسلمت أمره إلى الله، فقال لها: يا أماه قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا.
وفي رواية أخرى: قالت أم سلمة: وعندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة فقال: والله إني مقتول كذلك وإن لم أخرج إلى العراق، يقتلوني أيضا، ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إياها، وقال: اجعليها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت. 1 ثم قال المفيد (ره): فسار الحسين عليه السلام إلى مكة وهو يقرأ " فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين " 2 ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت عن الطريق (الأعظم) كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، ولما دخل الحسين عليه السلام مكة كان دخوله إياها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان، دخلها وهو يقرأ " ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " 3.
ثم نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة، وهو قائم يصلي عندها 4 ويطوف، ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كل يومين مرة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير [لأنه] قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين