قال: فلما هلك معاوية وتولى الامر بعده يزيد - لعنه الله - بعث عامله على مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عمه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم، وكان عامل معاوية، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان، فلم يقدر عليه وبعث عتبة إلى الحسين بن علي عليهما السلام، فقال: إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له، فقال الحسين: يا عتبة قد علمت إنا أهل بيت الكرامة، و معدن الرسالة، وأعلام الحق الذين أودعه الله عز وجل قلوبنا، وأنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن الله عز وجل، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله هذا.
فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان. أما بعد: فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك في أمره والسلام.
فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة:
" أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي عليهما السلام ".
فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق، فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله ليودع القبر، فلما وصل إلى القبر سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر فقام يصلي فأطال فنعس وهو ساجد، فجاءه النبي صلى الله عليه وآله وهو في منامه فأخذ الحسين عليه السلام و ضمه إلى صدره، وجعل يقبل بين عينيه ويقول: بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي، مالهم عند الله من خلاق، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة.
فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا، وودعهم وحمل أخواته على المحامل، وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليهما السلام ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبو بكر بن علي، ومحمد بن علي، وعثمان بن علي، والعباس بن علي، و عبد الله بن مسلم بن عقيل، وعلي بن