أقول: وجدت محاريب العراق وأبنيتها مختلفة غاية الاختلاف وأقربها إلى القواعد الرياضية قبلة حاير الحسين صلوات الله عليه، ولكنها أيضا منحرفة عن نصف النهار أقل مما تقتضيه القواعد بقليل، وأما ضريح أمير المؤمنين عليه السلام وضريح الكاظمين عليهما السلام فهما على نصف النهار من غير انحراف بين، وضريح العسكريين عليهما السلام منحرفة عن يسار نصف النهار قريبا من عشرين درجة، ومحراب مسجد الكوفة منحرفة عن يمين نصف النهار نحوا من أربعين درجة وهو قريب من قبلة أصفهان، وليس على ما ذكره السيد ره من كون الجدي قدام المنكب وإلا لكان قريبا من المغرب، وانحراف الكوفة بحسب القواعد الرياضية اثنى عشر درجة عن يمين نصف النهار، وانحراف بغداد قريب منه، وانحراف سر من رأى قريبا من ثمان درجات من جهة اليمين، وقبلة مسجد السهلة قريب من القواعد، فظهر مما ذكرنا أن روضة أمير المؤمنين صلوات الله عليه أقرب إلى القواعد من محراب مسجد الكوفة، ولعل هذه الاختلافات مبنية على التوسعة في أمر القبلة، ولا يبعد أن يكون الامر بالتياسر لأهل العراق لكون المحاريب المشهورة المبنية فيها في زمان خلفاء الجور، لا سيما المسجد الأعظم على هذا الوجه، ولم يمكنهم إظهار خطأ هؤلاء الفساق فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك المحاريب وعللوها بما عللوا به تقية لئلا يشتهر منهم الحكم بخطاء من مضى من خلفاء الجور.
ويؤيده ما سيأتي في وصف مسجد غنى وأن قبلته لقاسطة فهو يومي إلى أن ساير المساجد في قبلتها شئ ومسجد غنى اليوم غير موجود، وأغرب من جميع ذلك أن مسجد الرسول صلى الله عليه وآله محرابه على خط نصف النهار مع أنه أظهر المحاريب انتسابا إلى المعصوم، وهو مخالف للقواعد لانحراف قبلة المدينة عن يسار نصف النهار، أي من نقطة الجنوب إلى المشرق بسبع وثلاثين درجة، وأيضا مخالف لما هو المشهور من أن النبي صلى الله عليه وآله قال: محرابي على الميزاب، ومن يقف في المسجد الحرام بإزاء الميزاب يقع الجدي خلف منكبه الأيسر بل قريبا من رأس المنكب وكنت متحيرا في ذلك حتى تأملت في عمارة روضة النبي صلى الله عليه وآله التي حول قبره