مؤكدا عليهم، إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني، ولان الصلاة ركعتان ركعتان، فلذلك جعل الاذان مثنى مثنى.
فان قال: فلم جعل التكبير في أول الاذان أربعا؟ قيل: لان أول الاذان إنما يبدو غفلة، وليس قبله كلام يتنبه المستمع له، فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الاذان.
فان قال: فلم جعل بعد التكبير شهادتين؟ قيل: لان أول الايمان إنما هو التوحيد، والاقرار لله عز وجل بالوحدانية، والثاني الاقرار للرسول بالرسالة، وأن طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، ولان أصل الايمان إنما هو الشهادة، فجعل شهادتين شهادتين في الاذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة، فقد أقر بجملة الايمان، لان أصل الايمان إنما هو الاقرار بالله وبرسوله.
فان قال: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟ قيل: لان الاذان إنما وضع لموضع الصلاة، وإنما هو نداء إلى الصلاة، فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الاذن فقدم المؤذن قبلها أربعا التكبيرتين والشهادتين وآخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح حثا على البر والصلاة، ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي أدائها، ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا، وليختم كلامه بذكر الله كما فتحه بذكر الله تعالى.
فان قال: فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير؟ قيل: لان التهليل اسم الله في آخره فأحب الله تعالى أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه.
فان قال: فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح أو التحميد واسم الله في آخرهما؟
قيل: لان التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد من دون الله، وهو أول الايمان، وأعظم من التسبيح والتحميد (1).