كان من قصتهم أنا جعلنا بينهم وبين قرى الشام التي باركنا فيها] (1) بالماء والشجر قرى متواصلة، وكان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام، وكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى، حتى يرجعوا، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد من وادي سبأ إلى الشام، ومعنى الظاهرة أن الثانية كانت ترى من الأولى لقربها منها " وقدرنا فيها السير " أي جعلنا السير من القرية إلى القرية نصف يوم، وقلنا لهم " سيروا فيها " اي في تلك القرى " ليالي وأياما " اي ليلا شئتم المصير أو نهارا " آمنين " من الجوع والعطش والتعب، ومن السباع وكل المخاوف. وفي هذا إشارة إلى تكامل نعمه عليهم في السفر، كما أنه كذلك في الحضر.
ثم أخبر سبحانه أنهم بطروا وبغوا " فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا " اي اجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب إليها الرواحل، ونقطع المنازل، وهذا كما قالت بنوا إسرائيل لما ملوا النعمة: " أخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها " (2) بدلا من المن والسلوى " وظلموا أنفسهم " بارتكاب الكفر والمعاصي " فجعلناهم أحاديث " لمن بعدهم يتحدثون أمرهم وشأنهم، ويضربون بهم المثل، فيقولون: تفرقوا أيادي سبأ إذا تشتتوا أعظم التشتت " ومزقناهم كل ممزق " أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل تفريق، " إن في ذلك لايات لكل صبار شكور " على الشدايد شكور على النعماء، وقيل لكل صبار عن المعاصي شكور للنعم بالطاعات.
ثم نقل عن الكلبي، عن أبي صالح قال: ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء وكانت قد رأيت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو وقومه حتى انتهوا إلى مكة، فأقاموا بها وما حولها، فاصابتهم الحمى وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى؟ فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي أصابهم فقالت