الشيطان اللعين، فمن أسعرته نار الغضب، فقد قويت فيه قرابة الشيطان، حيث قال:
" خلقتني من نار وخلقته من طين " (1) فمن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاستعار، والحركة والاضطراب والإصطهار، ومنه قوله تعالى:
" يصهر به ما في بطونهم والجلود " (2) ومن نتائج الغضب الحقد والحسد، وبهما هلك من هلك، وفسد من فسد.
ثم قال: اعلم أن الله تعالى لما خلق الانسان معرضا للفساد والموتان، بأسباب في داخل بدنه، وأسباب خارجة منه، أنعم عليه بما يحميه الفساد، ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم، سماه في كتابه.
أما السبب الداخل فإنه ركبه من الرطوبة، والحرارة، وجعل بين الرطوبة والحرارة عداوة ومضادة، فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة، وتجففها وتبخرها حتى يتفشى أجزاؤها بخارا يتصاعد منها، فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان، فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان، وخلق للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد ما انثلم، ليكون حافظا له من الهلاك، بهذه الأسباب.
وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الانسان فكالسيف والسنان، وسائر المهلكات التي يقصد بها، فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه، فيدفع المهلكات عنه فخلق الله الغضب من النار، وغرزه في الانسان، وعجنه بطينته، فمهما قصد في غرض من أغراضه، ومقصود من مقاصده، اشتعلت نار الغضب، وثارت ثورانا يغلى به دم القلب، وينتشر في العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر.
ولذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين، والبشرة بصفائها تحكي لون ما وراءها من حمرة الدم، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها، وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه، واستشعر القدرة عليه، فان صدر الغضب على من هو فوقه