ولا تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة لن كنت عاقلا أن تحذر من الحسد، لما فيه من ألم القلب ومساءته مع عدم النفع فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة.
وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لان النعمة لا تزول عنه بحسدك بل ما قدره الله من إقبال ونعمة فلا بد من أن يدوم إلى أجل قدره الله، فلا حيلة في دفعه، بل كل شئ عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب.
وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح، أما منفعته في الدين، فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة، والقدح فيه، وهتك ستره، وذكر مساويه، فهذه هدايا تهديها إليه أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا محروما عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة، فأضعفت له نعمة إلى نعمة، ولنفسك شقاوة إلى شقاوتك.
وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين، ولا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة، وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت بنفسك ما هو مرادهم.
ثم اعلم أن الموذي ممقوت بالطبع، ومن آذاك لا يمكنك أن لا تبغضه غالبا، وإذا تيسرت له نعمة فلا يمكنك أن لا تكرهها له، حتى يستوي عندك حسن حال عدوك، وسوء حاله، بل لا تزال تدرك في النفس بينهما فرقا، ولا يزال الشيطان ينازعك في الحسد له، ولكن إن قوي ذلك فيك حتى يبعثك على إظهار الحسد بقول أو فعل، بحيث يعرف ذلك من ظاهرك بأفعالك الاختيارية فأنت إذا حسود عاص بحسدك، وإن كففت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة، وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة، فأنت أيضا حسود عاص لان الحسد صفة القلب لا صفة الفعل.