قال أبو عبد الله عليه السلام: وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: كم من مستدرج بالاحسان إليه، مغرور بالستر عليه، مفتون بحسن القول فيه، وما أبلى الله عبدا بمثل الاملاء له (1).
أمالي الطوسي: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله بن أبي داود، عن إبراهيم بن الحسن المقسمي، عن بشر بن زاذان، عن عمر بن صبيح، عن الصادق عليه السلام مثله بتغيير ما وقد أثبتناهما في باب المواعظ (2).
87 - تحف العقول: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة فلما فرغ من قتال من قتله، أشرف علينا من آخر الليل، فقال: ما أنتم فيه؟ فقلنا: في ذم الدنيا، فقال: علام تذم الدنيا يا جابر؟ ثم حمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا؟ انتحلوا الزهد فيها؟ الدنيا منزل صدق لمن صدقها، ومسكن عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، فيها [مسجد] أنبياء الله ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومسكن أحبائه، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة.
فمن ذا يذم الدنيا يا جابر وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها بالزوال، ومثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور، راحت بفجيعة وابتكرت بنعمة وعافية، ترهيبا وترغيبا، يذمها قوم عند الندامة، ويحمدها آخرون عند السلامة، خدمتهم جميعا فصدقتهم، وذكرتهم فذكروا، ووعظتهم فاتعظوا وخوفتهم فخافوا، وشوقتهم فاشتاقوا.
فأيها الذام للدنيا، المغتر بغرورها، متى استذمت إليك؟ بل متى غرتك بنفسها؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك من الثرى، كم مرضت بيديك وعللت بكفيك؟ تستوصف لهم الدواء، وتطلب لهم الأطباء، لم تدرك فيه طلبتك ولم تسعف فيه بحاجتك.