بأن خالق إبليس هو الله تعالى، ولما كان إبليس أصلا لجميع الشرور والقبائح (1) فيلزمهم أن إله العالم هو الخالق لما هو أصل الشرور والمفاسد، وإذا كان كذلك امتنع عليهم أن يقولوا لا بد من إلهين يكون أحدهما فاعل الخيرات، والثاني فاعلا للشرور وبهذا الطريق ثبت أن إله الخير هو بعينه الخالق لهذا الذي هو الشر الأعظم.
والثاني ما بينا في كتبنا (2) أن ما سوى الواحد ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته فهو محدث، ينتج أن ما سوى الواحد الأحد الحق فهو محدث، فيلزم القطع بأن إبليس وجميع جنوده موصوفون بالحدوث، وحصول الوجود بعد العدم، فيعود الالزام المذكور على ما قررنا.
وقيل: المراد بالآية أن الكفار كانوا يقولون الملائكة بنات الله وأطلق الجن عليهم لكونهم مستترين عن الأعين، وقال الحسن وطائفة: إن المراد أن الجن دعوا الكفار إلى عبادة الأصنام، وإلى القول بالشرك فقبلوا من الجن هذا القول، وأطاعوهم فصاروا من هذا الوجه قائلين بكون الجن شركاء لله، والحق هو القول الأول (3).
" وخرقوا له بنين " قال الفراء: معنى خرقوا: افتعلوا وافتروا، فاما الذين أثبتوا البنين فهم النصارى، وقوم من اليهود، وأما الذين أثبتوا البنات فهم العرب، قالوا الملائكة بنات الله، وقوله: بغير علم " كالتنبيه على ما هو الدليل القاطع على فساد هذا القول، لأن الولد (4) يشعر بكونه متولدا عن جزء من أجزاء الوالد،