الذي أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا (1)) وقوله تعالى (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون (2)) وليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول أصحاب الاحكام، والاقرار بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام، لأنا أنكرنا عليهم إضافتهم تأثيرات الشمس والقمر إليهما من دون الله سبحانه، وقطعهم على ما جوزناه من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية ولا سمعية، وإضافتهم إلى جميع الأفعال في الحقيقة، مع دعواهم لها بالحياة والقدرة، فأنكرنا عليهم أن يكون الشمس والقمر أو شئ من الكواكب فاعلا لأفعالنا، أو تكون حركته شيئا موجبا لوقوع الأفعال عنا، لشهادة العقل الصحيح بأن أفعالنا لو كانت مخترعة فينا أو كائنة عن سبب أوجبها من غيرنا لم تقع بحسب قصودنا وإراداتنا، وكانت لا فرق بينها وبين جميع ما يفعل فينا من صحتنا وسقمنا وتأليف أجسامنا، وفي حصول الفرق دلالة على اختصاصها بنا، وبرهان واضح على أنها حدثت عن قدرتنا، وأنه لا سبب لها غير اختيارنا، وأنكرنا عليهم قولهم إن الله لا يفعل في العالم فعلا إلا والكواكب دالة عليه، فإن كل شئ تدل عليه فلا بد من كونه، وهذا باطل لأنه لو ثبت لها تأثير أو دلالة فإن الله تعالى أجرى بذلك العادة، وليس بمستحيل منه تغيير تلك العادة لما يراه من المصلحة، وقد يصرف الله تعالى السوء عن عبده بدعوة ويزيد في أجله بصلة رحم أو صدقة. هذا الذي ثبتت لنا عليه الأدلة، وهو الموافق للشريعة، وليس هو بملائم لما يدعيه المنجمون - والحمد لله - وأنكرنا عليهم اعتمادهم في الاحكام على أصول متناقضة، ومقدمات مفتعلة، ودعاو مظنونة وليس لهم على شئ منها بينة، فإن كان لهذا العلم أصل صحيح على وجه يسوغ في العقل ويجوز، فليس هو مما في أيديهم، ولا من جملة دعاويهم، وقد قال شيخنا المفيد
(٢٩٧)