وأقول: لما كانت معرفة الأخبار المذكورة في هذا الباب وغيره متوقفة على معرفة الشهور والسنين ومصطلحاتهما قدمنا شيئا من ذلك فنقول: لما احتاجوا في تقدير الحوادث إلى تركيب الأيام، وكان أشهر الاجرام السماوية الشمس ثم القمر، وكان دورة كل منهما إنما تحصل في أيام متعددة، كانا متعينين بالطبع لاعتبار التركيب، فصار القمر أصلا في الشهر والشمس أصلا في السنة. ثم إن الظاهر من حال القمر ليس دورة في نفسه، بل باعتبار تشكلاته النورية، فلذلك كان الشهر مأخوذا منها، وهي إنما تكون بحسب أوضاعه مع الشمس، ويتم دوره إذا صار فضل حركة القمر على حركة الشمس الحقيقيين دورا، والعلم به متعذر لأنهما إذا اجتمعا مثلا بمقوميهما وعاد القمر بمقومه إلى موضع الاجتماع فقد سارت الشمس قوسا، فإذا قطع القمر تلك القوس فقد سارت قوسا أخرى، ومع تعذره مختلف لاختلاف حركتيهما بمقوميهما، فلا يكون ذلك الفضل أمرا منضبطا فمستعملوا الشهر القمري من أهل الظاهر منهم من يأخذونه من يوم الاجتماع إلى يومه وهم اليهود والترك، ومنهم من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها وهم المسلمون أو من تشكل آخر إلى مثله بحسب ما يصطلحون عليه، واعتبار الاستهلال أولى، لأنه أبين أوضاعه من الشمس وأقربها إلى الادراك، مع أن القمر في هذا الموضع كالموجود بعد العدم، والمولود الخارج من الظلم. لكن لما لم يكن لرؤية الأهلة حد لا يتعداه لاختلافها باختلاف المساكن وحدة الابصار إلى غير ذلك لم يلتفت إليها إلا في الأحكام الشرعية المبتنية على الأمور الظاهرة، ومستعملوه من أهل الحساب يأخذون الدور من الفضل بين الحركتين الوسطيتين، فيجدونه في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم ودقيقة واحدة وخمسين ثانية إذا جزئ يوما (1) بليلته بستين دقيقة، وكل دقيقة بستين ثانية، وهذا هو الشهر القمري الاصطلاحي المبني على اعتبار سير الوسط في السيرين، وإذا ضرب عدد أيامه في (اثني عشر) عدد أشهر السنة خرج
(٣٤٣)