ثم ذكر - ره - كثيرا من أغلاطهم واشتباهاتهم إلى أن قال: وأنا أذكر لك بعد هذا مقالتنا في النجوم وما نعتقده فيها لتعرف الطريقة في ذلك فتعتمد عليها: اعلم أيدك الله أن الشمس والقمر والنجوم أجسام محدثة من جنس أجسام العالم، مؤتلفة من أجزاء تحلها الاعراض، وليست بفاعلة في الحقيقة ولا ناطقة، ولا حية قادرة، وقد قال شيخنا المفيد - ره - إنها أجسام نارية، فأما حركتها فهي فعل الله تعالى فيها، وهو المحرك لها، وهي من آياته الباهرة في خلقه، وزينة لسمائه، وفيها منافع لعباده لا تحصى، وبها يهتدي السائرون برا وبحرا، قال الله تعالى (وعلامات وبالنجم هم يهتدون (1)) وفيها للخلق مصالح لا يعلمها إلا الله، فأما التأثير المنسوب إليها فإنا لا ندفع كون الشمس والقمر مؤثرين في العالم، ونحن نعلم أن الأجسام وإن كان لا يؤثر أحدها في الآخر إلا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فإن للشمس والقمر شعاعا متصلا بالأرض وما عليها، يقوم مقام المماسة، وتصح به التأثيرات الحادثة، ومن ذا الذي ينكر تأثير الشمس والقمر وهو موجود مشاهد؟
وإن كان تأثير الشمس أظهر للحس وأبين من تأثير القمر في الأزمان والبلدان والنبات والحيوان، فأما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيرا نحس، ولا نقطع على وجوبه بالعقل، ولا هو أيضا من الممتنع المستحيل، بل من الجائز في العقول، لان لها شعاعا متصلا بالأرض، وإن كان دون شعاع الشمس والقمر فغير منكر أن يكون لها تأثير يخفى عن الحس خارج عن أفعال الخلق، فإن كان لها تأثير كما يقال كان تأثيرها مع تأثير الشمس والقمر في الحقيقة من أفعال الله عز وجل، وليس يصح إضافته إليها إلا على وجه التوسع والتجوز، كما تقول:
أحرقت النار، وبرد الثلج، وقطع السيف، وشج الحجر، وفي الحقيقة إن النار احرق بها، والثلج برد بها، وقطع أيضا بالسيف، وشج بالحجر، وكذلك قولنا: أحمت الشمس الأرض ونفعت الزرع، وفي الحقيقة إن الله تعالى أحمى بها ونفع، ومما يدل على أن الله تعالى يستعمل شيئا بشئ قوله عز وجل (وهو