إلى أمه في الليلة التي قتل في صبيحتها، فقعد إلى جانبها، وأقبل يعظها ويعزيها عن نفسه، ويذكرها حوادث الدهر وتقضي أمور العباد، ثم قبل صدرها وثديها وودعها وداع المفارق، ثم قام فخرج وهو قلق منزعج لما دله عليه الحساب، فجعل ينتقل من موضع إلى موضع، ومن مجلس إلى مجلس، وامتنع عليه النوم فلما كان في السحر قام إلى الحمام وقدر أن يجعل غمه وحرارته وكربه هو الذي دلت عليه النجوم، وقدمت له بغلة فركبها وكان الحمام في آخر البستان فكبت به البغلة، فسره ذلك وقدر أنها هي النكبة التي كان يتخوفها، ثم مشى إلى الحمام ولم يزل حتى دخل الحمام فاغتسل فيه، فقتل.
قال: ومن المذكورين بعلم النجوم بوران بنت الحسن بن سهل، وجدت في مجموع عتيق أن بوران كانت في المنزلة العليا بأصناف العلم لا سيما في النجوم فإنها برعت فيه وبلغت أقصى نهايته، وكانت ترفع الأصطرلاب كل وقت وتنظر إلى مولد المعتصم، فعثرت يوما يقطع عليه، سببه خشب، فقالت لوالدها الحسن:
انصرف إلى أمير المؤمنين، وعرفه أن الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد ورفعت الأصطرلاب فدل الحساب والله أعلم أن قطعا يلحق أمير المؤمنين من خشب في الساعة الفلانية من يوم بعينه. قال الحسن: يا قرة العين! يا سيدة الحرائر! إن أمير المؤمنين قد تغير علينا وربما أصغى إلى شيخك بخلاف ما يقتضيه وجه المشورة والنصيحة. قالت: يا أبه! وما عليك من نصيحة إمامك، لأنه خطر بروح لا عوض منها، فإن قبلها وإلا كنت قد أديت المفروض عليك. قال: فانصرف الحسن إلى المعتصم، وعرفه ما قالت بوران. قال المعتصم: أيها الحسن! أحسن الله جزاءها وجزائك، انصرف إليها وخصها عني بالسلام واسألها ثانيا واحضر عندي اليوم الذي عينت عليه ولازمني حتى ينصرم اليوم ويذهب، فلست أشاركك في هذه المشورة والتدبير أحدا من البشر. قال: فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فأمر المعتصم حتى خرج كل من في المجلس وخلا إليه وأشار عليه أن ينتقل عن المجلس السقفي إلى مجلس ابن أرخى لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب