متبرعين أن جميع ما يعطونا من مقدماتهم الحكمية صادقة (انتهى).
وقال الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي - ره - في كتاب كنز الفوائد في الرد على من قال إن الشمس والقمر والنجوم علل موجبات كلاما طويل الذيل يرجع حاصله إلى أن هذه الكواكب والأوضاع إن كانت عللا للحوادث فما الحاجة إلى الاطلاع على الاحكام، وأخذ الطوالع عند المواليد، وعمل الزوايج وتحاويل السنين، مع أن الانسان لا يقدر على أن يزيد فيه في سعده ولا أن ينقص به من نحسه، وما أوجبه مولده فهو كائن لا مغير له، مع أنه إذا علم حصول سعادة قبل وقوعها يكون قلق النفس، منقسم الخاطر، يستبعد قرب الساعات، ويستطيل قصر الأوقات، تشوقا إلى ما يرد، وتطلعا إلى ما وعد، وفي ذلك ما يقطعه عن منافعه، ويقصر به عن حركاته في مصالحه اتكالا على ما يأتيه، وربما أخلف الوعد وتأخر السعد، فليس جميع أحكامكم تصيب، ولا الغلط منكم بعجيب فتصير المنفعة مضرة، وأما متوقع المنحسة فلا شك أنه قعد تعجل الشدة رهبة من قدومها، وعظم هلعه بهجومها، وإن قلتم إن الانسان يمكنه أن يحترز من المنحسة فيدفعها أو ينقص منها فقد أبطلتم دعواكم أنها مدبرة.
ثم قال: وأنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم، ونكت من فساد استدلالهم. اعلم أن تسمية البروج الاثني عشر بالحمل والثور والجوزاء وغيرها لا أصل لها ولا حقيقة، وإنما وضعها الراصدون لهم فحصل متعارفا بينهم، وكذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج والجميع ثمان وأربعون صورة عندهم مشهورة، وعلماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه الصور وتشبيهها وقسمة الكواكب عليها وتسميتها صنعها حذاقهم الراصدون لها، وقد ذكر هذا أبو الحسين عبد الرحمن ابن عمر الصوفي، وهو من جملتهم، وله مصنفات لم يعمل مثلها في عملهم، وبينه في الجزء الأول من كتابه الذي عمله في الصور، وقد ذكر رصد الأوائل منهم الكواكب وأنهم رتبوها في المقادير والعظم ست مراتب، وبين أنهم الفاعلون لذلك، وقال:
إنهم وجدوا من هذه الكواكب تسعمائة وسبعة عشر كوكبا ينتظم منها ثمانية