الاجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته وإرادته، كما أن حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحة أو اشتداد المرض ونحو ذلك، وكما يستدل باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه ولا حرج في اعتقاده، وما روي من صحة علم النجوم وجواز نقله محمول على هذا المعنى.
ثم قال - ره -: الأمور التي يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية أصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي سلام الله عليهم، وبعض الأصول يدعون فيها التجربة، وبعضها مبتن على أمور متشعبة لا تفي القوة البشرية في الأغلب بضبطها والإحاطة بها، كما يومئ إليه قول الصادق عليه السلام (كثيرة لا يدرك وقليله لا ينتج) فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم، وتطرق الخطاء إلى بعض أحكامهم ومن اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه وصدقت أحكامه لا محالة كما نطق به كلام الصادق عليه السلام في الرواية المذكورة قبيل هذا الفصل - يعني رواية ابن سيابة - ولكن هذا أمر عزيز المنال، لا يظفر به إلا القليل، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ولابن سينا كلام في هذا الباب، قال في فصل المبدء والمعاد من إلهيات الشفاء:
لو أمكن إنسانا من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعا وطبائعها لفهم كيفية ما يحدث في المستقبل، وهذا المنجم القائل بالاحكام مع أن أوضاعه الأولى ومقدماته ليست مستندة إلى برهان بل عسى أن يدعي فيها التجربة أو الوحي وربما حاول قياسات شعرية أو خطابية في إثباتها فإنه إنما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات، وهي التي في السماء، على أنه لا يضمن الإحاطة بجميع الأحوال التي في السماء، ولو ضمن لنا في ذلك ووفي به لم يمكنه أن يجعلنا بحيث نقف على وجود جميعها في كل وقت، وإن كان جميعها من حيث فعله وطبعه معلوما عنده. ثم قال في آخر كلامه: فليس لنا إذن اعتماد على أقوالهم، وإن سلمنا