تلك الآبار، هل يجوز أن تكون سلامة من يمشي في هذا الطريق من العميان كسلامة من يمشي فيه من البصراء - وقد فرضنا أنه لا يخلو طرفة عين من المشاة فيه بصراء وعميان -؟ وهل يجوز أن يكون عطب البصراء يقارب عطب العميان، أو سلامة العميان مقاربة لسلامة البصراء؟ فقال: هذا مما لا يجوز، بل الواجب أن تكون سلامة البصراء أكثر من سلامة العميان، ولا يجوز في مثل هذا التقارب. فقلت:
إذا كان هذا محالا فأحيلوا نظيره وما لا فرق بينه وبينه، وأنتم تجيزون شبيه ما ذكرنا وعديله، لان البصراء هم الذين يعرفون أحكام النجوم ويميزون سعدها ونحسها، ويتوقون بهذه المعرفة مضار الزمان ويتخطونها، ويعتمدون منافعه ويقصدونها، ومثال العميان كل من لا يحسن تعلم النجوم ولا يتلفت إليه من الفهماء والفقهاء، وأهل الديانات والعبادات، ثم سائر العوام والاعراب والأكراد وهم أضعاف أضعاف من يراعي عدد النجوم. ومثال الطريق الذي فيه الآبار الزمان الذي يمضي عليه الخلق أجمعون، ومثال آباره مصائبه ونوائبه ومحنه، وقد كان يجب لو صح العلم بالنجوم وأحكامها أن تكون سلامة المنجمين أكثر ومصائبهم أقل لأنهم يتوقون المحن لعلمهم بها قبل كونها، وتكون محن كل من ذكرناه من الطبقات الكثيرة أوفر وأظهر، حتى تكون السلامة هي الطريفة الغريبة، وقد علمنا خلاف ذلك وأن السلامة أو المحن في الجميع متقاربة غير متفاوتة. فقال: ربما اتفق مثل ذلك، فقلت له، فيجب أن نصدق من خبرنا في ذلك الطريق المسلوك الذي فرضناه بأن سلامة العميان كسلامة البصراء ونقول: لعل ذلك اتفق، و بعد فإن الاتفاق لا يستمر بل ينقطع، وهذا الذي ذكرناه مستمر غير منقطع.
فلم يكن عنده عذر صحيح.
ومما يفسد مذهب المنجمين ويدل على أن ما لعله يتفق لهم من الإصابة على غير أصل أنا قد شاهدنا جماعة من الزراقين الذين لا يعرفون شيئا من علم النجوم ولا نظروا قط في شئ منه يصيبون فيما يحكمون به إصابات مستطرفة، وقد كان المعروف بالشعراني الذي شاهدناه وهو لا يحسن أن يأخذ الأسطرلاب للطالع، ولا