إما بالأخذ أو الترك خولفوا وفعل خلاف ما خبروا به. وقد أعضلتهم هذه المسألة واعتذروا عنها بأعذار ملفقة لا يخفى على عاقل سمعها بعدها من الصواب، فقالوا في هذه المسألة: يجب أن يكتب هذا المبتلى بها ما يريد أن يفعل أو يخبر به غيره فإنا نخرج ما قد عزم عليه من أحد الامرين. وهذا التعليل منهم باطل، لأنه إذا كان النظر في النجوم يدل على جميع الكائنات التي من جملتها ما يختاره أحدنا من أخذ هذا الشئ أو تركه فأي فرق بين أن يطوى ذلك فلا يخبر به ولا يكتبه حتى يقول المنجم ما عنده وبين أن يخبره به ويكتبه قبل ذلك؟ وإنما فزعوا إلى الكتابة وما يجري مجراها حتى لا يخالف المنجم فيما يذكره ويحكم به من أخذ أو ترك، ولو كانت الاحكام صحيحة وفيها دلالة على الكائنات لوجب أن يعرف المنجم ما اختاره من أحد الامرين على كل حال. ولو نزلنا تحت حكمهم وكتبنا ما نريد أن نفعله لما وجدنا إصابتهم في ذلك إلا أقل من خطائهم، ولم يزيدوا فيه على ما يفعله المخمن المرجم من غير نظر في طالع ولا غارب ولا رجوع إلى أصل وإلا فالبلوى بيننا وبينهم.
وكان بعض الرؤساء بل الوزراء ممن كان فاضلا في الأدب والكتابة ومشغوفا بالنجوم عاملا عليها قال لي يوما - وقد جرى حديث يتعلق بأحكام النجوم ورأي من مخائلي التعجب ممن يتشاغل بذلك ويفني زمانه به -: أريد أن أسألك عن شئ في نفسي، فقلت: سل عما بدا لك، قال: أريد أن تعرفني هل بلغ بك التكذيب بأحكام النجوم إلى أن لا تختار يوما لسفر ولبس ثوب جديد وتوجه في حاجة؟
فقلت: قد بلغت إلى ذلك - والحمد لله - وزيادة عليه، وما في داري تقويم، ولا أنظر فيه، وما رأيت مع ذلك إلا خيرا. ثم أقبلت عليه فقلت: ندع ما يدل على بطلان أحكام النجوم مما يحتاج إلى ظن دقيق وروية طويلة، وههنا شئ قريب لا يخفى على أحد ممن علت طبقته في الفهم أو انخفضت، خبرني لو فرضنا جادة مسلوكة وطريقا يمشي فيه الناس ليلا ونهارا، وفي محجته آبار متقاربة، وبين بعضها و بعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمل وتوقف حتى يتخلص من السقوط في بعض