وما زال الحسن يحدثه والمعتصم يمازحه وينشطه حتى أظهر النهار وضربت نوبة الصلاة، فقام المعتصم ليتوضأ، فقال الحسن: لا تخرج أمير المؤمنين عن هذا المجلس ويكون الوضوء والصلاة وكل ما تريد فيه، حتى ينصرم اليوم. فجاء خادم ومعه المشط والسواك، فقال الحسن للخادم: امتشط بالمشط واستك بالسواك. فامتنع وقال: كيف أتناول آلة أمير المؤمنين؟ قال المعتصم: ويلك، امتثل قول الحسن ولا تخالف. ففعل، فسقطت ثناياه وانتفخ دماغه وخر مغشيا عليه، ورفع ميتا وقام الحسن ليخرج، فاستدعاه المعتصم واحتضنه ولم يفارقه حتى قبل عينيه، ورد على بوران أملاكا وضياعا، وكان ابن الزيات حلها عنها وذكر مثله برواية أخرى.
وروى من كتاب الوزراء لمحمد بن عبدوس، عن إسماعيل بن صبيح، قال:
كنت أكتب يوما بين يدي يحيى بن خالد البرمكي فدخل عليه جعفر بن يحيى فلما رآه صاح وأعرض بوجهه عنه وقطب وكره رؤيته، فلما انصرف قلت له: أطال الله بقاءك، تفعل هذا بابنك وحاله عند أمير المؤمنين حالة لا يقدم عليه ولدا ولا وليا؟ فقال: إليك عني أيها الرجل! فوالله لا يكون هلاك أهل هذا البيت إلا بسببه. فلما كان بعد مدة من ذلك دخل عليه أيضا جعفر وأنا بحضرته ففعل مثل ما فعل الأول، وأكدت عليه القول، فقال: أدن مني الدواة: فأدنيتها وكتب كلمات يسيرة في رقعة وختمها ودفعها إلي، وقال: بلي، ليكن عندك، فإذا دخلت سنة سبع وثمانين ومائة ومضى فانظر فيها. فلما كان في صفر أوقع الرشيد بهم فنظرت في الرقعة، فكان الوقت الذي ذكره. قال إسماعيل: وكان يحيى أعلم الناس بالنجوم. وروى أيضا عن محمد بن عبدوس من كتاب الوزراء عن موسى بن نصر الوصيف، عن أبيه، قال: غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرهم أريد عيادته من علة كان يجدها، فوجدت في دهليزه بغلا مسرجا، فدخلت إليه فكان يأنس بي ويفضي إلى بسره، فوجدته مفكرا مهموما، ورأيته مستخليا مشتغلا بحساب النجوم وهو ينظر فيه، فقلت له: إني لما رأيت بغلا مسرجا سرني، لأني قدرت انصراف العلة وأن عزمك الركوب، ثم قد غمني ما أراه من همك، قال: فقال لي: إن