ومما يمكن أن يعتمد في إبطال أن تكون الكواكب فاعلة فينا ومصرفة لنا أن ذلك يقتضي سقوط الأمر والنهي والذم عنا ونكون معذورين في كل إساءة تقع منا ونجنيها بأيدينا، وغير مشكورين على شئ من الاحسان والافضال، و كل شئ نفسد به قول المجبرة فهو مفسد لهذا المذهب. وأما الوجه الآخر وهو أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع الكوكب أو غروبه واتصاله أو مفارقته، وقد بينا أن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة وإنما يتجملون الآن بالتظاهر به وأنه قد كان جائزا أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك قد وقع وثبت، ومن أين لنا بأن الله تعالى قد أجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، وأن المشتري إذا كان كذلك كان سعدا؟ وأي سمع مقطوع به جاء بذلك؟ وأي نبي خبر به، واستفيد من جهته؟ فإن عولوا في ذلك على التجربة بأنا جربنا ذلك ومن كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة، وإذا لم يكن موجبا وجب أن يكون معتادا قلنا: ومن سلم لكم صحة هذه التجربة وانتظامها واطرادها؟ وقد رأينا خطأكم أكثر من صوابكم فيها، وصدقكم أقل من كذبكم، فألا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن والمرجم، فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممن يخطئ، وهو على غير أصل معتمد ولا قاعدة صحيحة. فإذا قلتم: سبب خطاء المنجم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أو تسير الكواكب، قلنا: ولم لا كانت إصابته سببها التخمين؟ وإنما كان يصح لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع هو غير إصابة المنجم، فأما إذا كان دليل صحة الاحكام الإصابة فألا كان دليل فسادها الخطاء؟ فما أحدهما في المقابلة إلا كصاحبه.
ومما أفحم (1) به القائلون بصحة الاحكام ولم يتحصل منهم عنه جواب أن قيل لهم في شئ بعينه: خذوا الطالع واحكموا هل يؤخذ أو يترك؟ فإن حكموا