يعرف المسببات في المستقبل كما في الجزر والمد، ومن ادعى أنه يعرف أسباب الكائنات فمقدماته ليست برهانية وإنما هي تجربية أو شعرية أو خطابية مؤلفة من المشهورات في الظاهر أو المقبولات والمظنونات، ومع ذلك فلا يمكنه أن يتعرض إلا لجنس من أجناس الأسباب، وهو تعرض بعض الأسباب العلوية، ولا يمكنه أن يتعرض لجميع الأسباب السماوية والقوابل، وإذا تغيرت القوابل عن أحوالها تغير أثر الفاعل فيها، فإن النار في الحطب اليابس مؤثرة تأثيرا لا تؤثر في الرماد وكذا معرفة بقائها على استعداد القبول شرط، ويمكن أن يكون للقوابل عوائق فلا يعلم تلك الأسباب والمسببات إلا الله تعالى وأيضا فإن المنجم يحكم على مفردات الكواكب ولا يحكم على جميعها ممتزجة، وكما أن أحكام مفردات الترياق وسائر المعاجين غير أحكام المركب الذي حصلت له صورة نوعية كذلك حكم الكواكب المركوزة في الأفلاك غير حكم أفرادها، وإذا لم يمكن للمنجم الحكم إلا على المفردات كان الحكم ناقصا غير موثوق به. ثم إنه ربما يحصل التوأمان في غشاء فيكشف عنهما فإذا فيه صبيان حيان، وعلى قوانين الاحكاميين يجب أن يكونا مثلين في الصورة والعمر والحركات، حتى لا يجوز أن يختلفا في شئ من الأشياء، ولا يجوز أن يسكت أحدهما في وقت كلام الآخر، ولا يقوم في وقت قعود الآخر، ولا ينام في وقت لا ينام فيه الآخر، وإذا دخلا بيتا فيه باب ضيق فلا يمكنهما الدخول فإنه لابد ههنا من التقدم والتأخر، ولا يجوز أن يمس انسان أحدهما دون الآخر، ولا يجوز أن يكون في التزويج امرأة أحدهما غير امرأة الآخر ولا أن يكون مكان أحدهما غير مكان الآخر في الأرض، وهذا مما لا يخفى فساده وأيضا فإن الحكم الكلي عند أكثرهم يغلب الجزئي، ألا ترى أن طالع ناحية أو بلد إذا كان فساد فإنه لا يفيد عطية الكدخدا لإنسان، فكيف يعتمد على الطوالع والاختيارات مع نفي العلم بالكليات؟! ومن شنيع قولهم أنهم يقولون إذا ولد للملك في حال ولد لسوقي ولد، فإن الكواكب تدل لابن الملك بخلاف ما تدل لابن السوقي مع اتفاقهما في كمية العمر، لان هيلاجهما وكذخداهما
(٢٨٠)